الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم [ ص: 395 ] وأزلفنا ثم الآخرين وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم

                                                                                                                                                                                                "سيهدين" طريق النجاة من إدراكهم وإضرارهم . وقرئ : "فلما تراءت الفئتان " . "إنا لمدركون " : بتشديد الدال وكسر الراء ، من ادرك الشيء إذا تتابع ففني . ومنه قوله تعالى : بل ادارك علمهم في الآخرة [النمل : 66 ] ، قال الحسن : جهلوا علم الآخرة . وفي معناه بيت الحماسة [من الطويل ] :

                                                                                                                                                                                                أبعد بني أمي الذين تتابعوا أرجي الحياة أم من الموت أجزع ؟



                                                                                                                                                                                                والمعنى : إنا لمتتابعون في الهلاك على أيديهم ، حتى لا يبقى منا أحد . الفرق : الجزء المتفرق منه . وقرئ : "كل فلق " . والمعنى واحد . والطود : الجبل العظيم المنطاد في السماء "وأزلفنا ثم" حيث انفلق البحر "الآخرين" قوم فرعون ، أي : قربناهم من بني إسرائيل : أو أدنينا بعضهم من بعض ، وجمعناهم حتى لا ينجو منهم أحد ، أو قدمناهم إلى البحر ، وقرئ : "وأزلقنا " ، بالقاف ، أي : أزللنا أقدامهم ، والمعنى : أذهبنا عزهم ؛ كقوله [من الطويل ] :


                                                                                                                                                                                                تداركتما عبسا وقد ثل عرشها     وذبيان إذ زلت بأقدامها النعل



                                                                                                                                                                                                [ ص: 396 ] ويحتمل أن يجعل الله طريقهم في البحر على خلاف ما جعله لبني إسرائيل يبسا فيزلقهم فيه . عن عطاء بن السائب أن جبريل عليه السلام كان بين بني إسرائيل وبين آل فرعون ، فكان يقول لبني إسرائيل : ليلحق آخركم بأولكم . ويستقبل القبط فيقول : رويدكم يلحق آخركم . فلما انتهى موسى إلى البحر قال له مؤمن آل فرعون وكان بين يدي موسى : أين أمرت فهذا البحر أمامك وقد غشيك آل فرعون ؟ قال : أمرت بالبحر ولا يدري موسى ما يصنع ، فأوحى الله تعالى إليه : أن اضرب بعصاك البحر . فضربه فصار فيه اثنا عشر طريقا : لكل سبط طريق . وروي أن يوشع قال : يا كليم الله ، أين أمرت فقد غشينا فرعون والبحر أمامنا ؟ قال موسى : ها هنا . فخاض يوشع الماء وضرب موسى بعصاه البحر فدخلوا . وروي أن موسى قال عند ذلك : يا من كان قبل كل شيء ، والمكون لكل شيء . والكائن بعد كل شيء . ويقال : هذا البحر هو بحرالقلزم . وقيل : هو بحر من وراء مصر ، يقال له : أساف إن في ذلك لآية أية آية ، وآية لا توصف ، وقد عاينها الناس وشاع أمرها فيهم ، وما تنبه عليها أكثرهم ، ولا آمن بالله . وبنو إسرائيل : الذين كانوا أصحاب موسى المخصوصين بالإنجاء قد سألوه بقرة يعبدونها ، واتخذوا العجل ، وطلبوا رؤية الله جهرة وإن ربك لهو العزيز المنتقم من أعدائه "الرحيم" بأوليائه .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية