الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ومن الناس من يعبد الله على حرف الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج البخاري ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عباس : ومن الناس من يعبد الله على حرف قال : كان الرجل يقدم المدينة، فإن ولدت امرأته غلاما، ونتجت خيله قال : هذا دين صالح . وإن لم تلد امرأته ولم [ ص: 428 ] تنتج خيله قال : هذا دين سوء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه بسند صحيح ، عن ابن عباس قال : كان ناس من الأعراب يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون، فإذا رجعوا إلى بلادهم، فإن وجدوا عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن قالوا : إن ديننا هذا لصالح فتمسكوا به، وإن وجدوا عام جدب وعام ولاد سوء وعام قحط قالوا : ما في ديننا هذا خير ، فأنزل الله : ومن الناس من يعبد الله على حرف .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عباس في الآية قال : كان أحدهم إذا قدم المدينة - وهي أرض وبيئة - فإن صح بها جسمه، ونتجت فرسه مهرا حسنا، وولدت امرأته غلاما رضي به واطمأن إليه وقال : ما أصبت منذ كنت على ديني هذا إلا خيرا . وإن أصابه وجع المدينة، وولدت امرأته جارية، وتأخرت عنه الصدقة أتاه الشيطان فقال : والله ما أصبت منذ كنت على دينك هذا إلا شرا ، وذلك الفتنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه من طريق عطية عن أبي سعيد قال : أسلم رجل من اليهود، فذهب بصره وماله وولده، فتشاءم بالإسلام، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أقلني . فقال : إن الإسلام لا يقال . فقال : لم أصب في ديني هذا خيرا ؛ [ ص: 429 ] ذهب بصري ومالي ومات ولدي . فقال : يا يهودي الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والذهب والفضة ، فنزلت : ومن الناس من يعبد الله على حرف .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : ومن الناس من يعبد الله على حرف قال : على شك ، وفي قوله : فإن أصابه خير قال : رخاء وعافية : اطمأن به قال : استقر به : وإن أصابته فتنة قال : عذاب ومصيبة : انقلب على وجهه قال : ارتد على وجهه كافرا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في قوله : ومن الناس من يعبد الله على حرف قال : كان الرجل يأتي المدينة مهاجرا، فإن صح جسمه، وتتابعت عليه الصدقة وولدت امرأته غلاما، وأنتجت فرسه مهرا قال : والله لنعم الدين وجدت دين محمد صلى الله عليه وسلم هذا؛ ما زلت أعرف الزيادة في جسدي وولدي، وإن سقم بها جسمه، واحتبست عليه الصدقة، وأزلقت فرسه، وأصابته الحاجة، وولدت امرأته الجارية، قال : والله لبئس الدين دين محمد هذا؛ والله ما زلت أعرف النقصان في جسدي وأهلي وولدي ومالي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن [ ص: 430 ] قتادة في قوله : ومن الناس من يعبد الله على حرف قال : على شك : فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه يقول : إن أصاب خصبا وسلوة من عيش وما يشتهي، اطمأن إليه وقال : أنا على حق وأنا أعرف الذي أنا عليه : وإن أصابته فتنة أي : بلاء : انقلب على وجهه يقول : ترك ما كان عليه من الحق فأنكر معرفته، ( خسر الدنيا والآخرة ) ، يقول : خسر دنياه التي كان لها يحزن ولها يفرح، ولها يسخط ولها يرضى، وهي همه وسدمه، وطلبته ونيته، ثم أفضى إلى الآخرة وليس له حسنة يعطى بها خيرا ، فذلك هو الخسران المبين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : يدعو من دون الله ما لا يضره إن عصاه في الدنيا : وما لا ينفعه إن أطاعه وهو الصنم : يدعو لمن ضره أقرب من نفعه يقول : ضره في الآخرة من أجل عبادته إياه في الدنيا : لبئس المولى يقول : الصنم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد : لبئس المولى ولبئس العشير قال : الوثن .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة : ( لبئس المولى ولبئس العشير ) قال : الصاحب . [ ص: 431 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية