الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 181 ] 178 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أسمائه

1150 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن لي خمسة أسماء : أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله عز وجل بي الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر الله الناس على قدمي ، وأنا العاقب ، والعاقب الذي ليس بعده أحد . وقد سماه الله عز وجل رؤوفا رحيما .

قال أبو جعفر : فكان ما في هذا الحديث من تسمية الله عز وجل إياه رؤوفا رحيما إما من كلام جبير ، وإما من كلام من سواه من رواته .

1151 - حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدثنا أبي وشعيب بن الليث ، عن الليث بن سعد ، عن خالد وهو ابن يزيد ، عن ابن أبي هلال وهو سعيد ، عن عتبة بن مسلم ، عن نافع بن جبير أنه دخل على عبد الملك بن مروان فقال له : أتحصي أسماء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي كان جبير بن مطعم يعدها ؟ قال : [ ص: 182 ] نعم ، هي ستة : محمد ، وأحمد ، وخاتم ، وحاشر ، وعاقب ، وماح . فأما الحاشر فبعث مع الساعة نذيرا لكم بين يدي عذاب شديد ، وأما عاقب فإنه أعقب الأنبياء صلوات الله عليهم ، وأما ماح فإن الله عز وجل محا به سيئات من اتبعه .

[ ص: 183 ] قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث زيادة اسم على الأسماء المذكورة في الحديث الذي ذكرنا قبله وهو خاتم .

1152 - حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني قال : حدثنا خالد بن عبد الرحمن الخراساني قال : حدثنا المسعودي ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة ، عن أبي موسى الأشعري قال : سمى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفسه بأسماء ، فقال : أنا محمد وأحمد والمقفي والحاشر ونبي التوبة ونبي الملحمة .

قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث من أسمائه المقفي ، ومعناه معنى العاقب المذكور في الحديثين اللذين رويناهما قبله .

وفيه من أسمائه اسمان آخران غير الأسماء المذكورة فيهما ، وهما : نبي التوبة ، ونبي الملحمة . وسأل سائل عن المعنى الذي به زاد بعض ما في هذه الأحاديث [ ص: 184 ] على ما سواه منها .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله وعونه : أن الأسماء إنما هي أعلام لأشياء يراد بها التفريق بينها وإبانة بعضها من بعض ، وكانت الأسماء تنقسم قسمين :

فقسم منها تكون الأسماء فيه لا لعلة كالحجر وكالجبل ، وكما سوى ذلك مما لم يسم بمعنى فيه .

ومنها ما يسمى به لمعنى فيه من صفاته كمحمد - صلى الله عليه وسلم - من الحمد ، وكأحمد من الحمد أيضا . فكان هذان الاسمان من أسمائه - صلى الله عليه وسلم - ، وهما اسمان قد ذكرهما الله جل وعز في كتابه فقال : محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار . وقال فيما كان عيسى ابن مريم - صلى الله عليه وسلم - خاطب به قومه : إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فكان هذان الاسمان من صفاته - صلى الله عليه وسلم - ، فوقفنا بذلك على أنه جائز أن يسمى بصفاته سوى الحمد ، كما سمي بالحمد الذي هو من صفاته ؛ فسمي الماحي ؛ لأن الله جل وعز يمحو به الكفر ، وسمي الحاشر ؛ لأن الناس يحشرون على قدمه ، وسمي العاقب ؛ لأنه أعقب من قبله من الأنبياء صلوات الله عليهم ، وسمي خاتما ؛ لأنه خاتم النبيين . وذكر الله عز وجل ذلك في كتابه فقال : ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ، وسمي المقفي ؛ لأنه قفى من قبله من الأنبياء ، وسمي نبي التوبة ؛ لأن الله عز وجل تاب به على من تاب من عباده ، وذكر ذلك في كتابه من قوله جل وعز : لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم .

[ ص: 185 ] وسمي نبي الملحمة ؛ لأنه سبب القتال هو الملحمة . وكل هذه الأسماء فمشتقة من صفاته - صلى الله عليه وسلم - .

وفي حديث محمد بن جبير : وقد سماه الله عز وجل رؤوفا رحيما انتزاعا بذلك من قول الله جل وعز : لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم . فدل ذلك أنه جائز أن يسمى بصفاته كلها ، وأن ما سمي به من ذلك لاحق بأسمائه التي قد سمي بها قبل ذلك ، كما لحق بأسماء علي عليه السلام الاسم الذي سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياه لما تترب بالتراب بقوله له : قم يا أبا تراب . قال سهل بن سعد : فما كان له اسم أحب إليه منه . وسنذكر ذلك الحديث ، وما يدخل في معناه في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله . وكان جائزا أن يذكر ببعض أسمائه ، ولا يكون القصد إلى بعضها دليلا أن لا أسماء له غيرها ، فعلى هذا المعنى عندنا - والله أعلم - جاءت هذه الآثار على ما جاءت به مما فيها ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية