الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : هذان خصمان اختصموا في ربهم .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، والبخاري ، ومسلم ، والترمذي ، وابن ماجه ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه ، والبيهقي في " الدلائل " عن أبي ذر أنه كان يقسم قسما أن هذه الآية : هذان خصمان اختصموا في ربهم إلى قوله : إن الله يفعل ما يريد نزلت في الثلاثة والثلاثة الذين بارزوا يوم بدر، وهم : حمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث، وعلي بن أبي طالب وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، عن علي بن أبي طالب قال : نزلت : هذان خصمان اختصموا في ربهم في الذين بارزوا يوم بدر، حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث، وعتبة وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة ، قال علي : أنا أول من يجثو في الخصومة على ركبتيه بين يدي الله يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 437 ] وأخرج ابن أبي شيبة ، والبخاري والنسائي ، وابن جرير ، والبيهقي من طريق قيس بن عباد، عن علي قال : أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة ، قال قيس : وفيهم نزلت : هذان خصمان اختصموا في ربهم قال : هم الذين بارزوا يوم بدر : علي وحمزة وعبيدة وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس قال : لما بارز علي وحمزة وعبيدة ، وعتبة وشيبة والوليد، قالوا لهم : تكلموا نعرفكم ، قال : أنا علي وهذا حمزة وهذا عبيدة ، فقالوا : أكفاء كرام! فقال علي : أدعوكم إلى الله وإلى رسوله ، فقال عتبة : هلم للمبارزة ، فبارز علي شيبة فلم يلبث أن قتله، وبارز حمزة عتبة فقتله، وبارز عبيدة الوليد فضعف عليه، فأتى علي فقتله ، فأنزل الله : هذان خصمان الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : لما التقوا يوم بدر قال لهم عتبة بن ربيعة : لا تقتلوا هذا الرجل؛ فانه إن يك صادقا فأنتم أسعد الناس بصدقه، وإن يك كاذبا فأنتم أحق من حقن دمه ، فقال أبو جهل بن هشام : لقد امتلأت [ ص: 438 ] رعبا ، فقال عتبة : ستعلم أينا الجبان المفسد لقومه ، قال : فبرز عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة فنادوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقالوا : ابعث إلينا أكفاءنا نقاتلهم . فوثب غلمة من الأنصار من بني الخزرج، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجلسوا ، قوموا يا بني هاشم . فقام حمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث، فبرزوا لهم، فقال عتبة : تكلموا نعرفكم، إنكم إن تكونوا أكفاءنا قاتلناكم . قال حمزة : أنا حمزة بن عبد المطلب ، أنا أسد الله وأسد رسوله ، فقال عتبة : كفؤ كريم . فقال علي بن أبي طالب : أنا علي ، فقال : كفؤ كريم، فقال عبيدة ، أنا عبيدة بن الحارث ، فقال عتبة : كفؤ كريم . فأخذ حمزة شيبة بن ربيعة، وأخذ علي بن أبي طالب عتبة بن ربيعة، وأخذ عبيدة بن الحارث الوليد ، فأما حمزة فأجاز على شيبة، وأما علي فاختلفا ضربتين فقام فأجاز على عتبة، وأما عبيدة فأصيبت رجله ، قال : فرجع هؤلاء، وقتل هؤلاء، فنادى أبو جهل وأصحابه : لنا العزى ولا عزى لكم، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله مولانا ولا مولى لكم . ونادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم : قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار ، فأنزل الله : هذان خصمان اختصموا في ربهم الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن لاحق بن حميد قال : نزلت هذه الآية يوم بدر : هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار في عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة ، ونزلت : إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات إلى قوله : وهدوا إلى صراط الحميد [ ص: 439 ] في علي بن أبي طالب وحمزة وعبيدة بن الحارث .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : هذان خصمان اختصموا في ربهم قال : مثل المؤمن والكافر اختصامهما في البعث .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن مجاهد وعطاء بن أبي رباح والحسن قال : هم الكافرون والمؤمنون اختصموا في ربهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه ، عن ابن عباس في قوله : هذان خصمان اختصموا في ربهم قال : هم أهل الكتاب قالوا للمؤمنين : نحن أولى بالله وأقدم منكم كتابا، ونبينا قبل نبيكم . وقال المؤمنون : نحن أحق بالله آمنا بمحمد وآمنا بنبيكم، وبما أنزل الله من كتاب، وأنتم تعرفون كتابنا ونبينا، ثم تركتموه وكفرتم به حسدا . فكان ذلك خصومتهم في ربهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة قال : اختصم المسلمون وأهل الكتاب، فقال أهل الكتاب : نبينا قبل نبيكم، وكتابنا قبل كتابكم، ونحن أولى بالله منكم . وقال المسلمون : كتابنا يقضي على الكتب كلها ونبينا خاتم الأنبياء، فنحن أولى بالله منكم . فأفلج الله أهل الإسلام [ ص: 440 ] على من ناوأهم، فأنزل الله : هذان خصمان اختصموا في ربهم إلى قوله : عذاب الحريق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله : هذان خصمان اختصموا في ربهم قال : هما الجنة والنار اختصمتا، فقالت النار : خلقني الله لعقوبته ، وقالت الجنة : خلقني الله لرحمته .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن مجاهد : فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار قال : الكافر قطعت له ثياب من نار، والمؤمن يدخله الله جنات تجري من تحتها الأنهار .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله : قطعت لهم ثياب من نار من نحاس وليس من الآنية شيء إن أحمي أشد حرا منه ، وفي قوله : يصب من فوق رءوسهم الحميم قال : النحاس يذاب على رؤوسهم ، وفي قوله : يصهر به ما في بطونهم قال : تسيل أمعاؤهم ( والجلود ) قال : تتناثر جلودهم حتى يقوم كل عضو بحياله .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 441 ] وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم التيمي أنه قرأ قوله : قطعت لهم ثياب من نار قال : سبحان من قطع من النار ثيابا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو نعيم في " الحلية " عن وهب بن منبه قال : كسي أهل النار والعري كان خيرا لهم، وأعطوا الحياة والموت كان خيرا لهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية