الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل ويخرج الواجبات من رأس المال أوصى بها أو لم يوص ، وإن وصى معها بتبرع ، اعتبر الثلث من الباقي ، فإن قال : أخرجوا الواجب من ثلثي ، فقال القاضي : يبدأ به ، فإن فضل من الثلث شيء ، فهو لصاحب التبرع ، وإلا بطلت الوصية ، وقال أبو الخطاب : تزاحم به أصحاب الوصايا ، ويحتمل أن يقسم الثلث بينهما ، ويتمم الواجب من رأس المال ، فيدخله الدور ، فلو كان المال ثلاثين والواجب عشرة والوصية عشرة ، جعلت تتمة الواجب شيئا يكن الثلث عشرة إلا ثلث شيء بينهما ، للواجب خمسة إلا سدس شيء فضم إليه شيئا ، تكن عشرة ، فتجبر الخمسة بسدس شيء ، يبقى خمسة أسداس شيء تعدل خمسة ، فالشيء ستة ، ويحصل للوصي الآخر أربعة .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ويخرج الواجبات ) كقضاء الدين والزكاة والحج ( من رأس المال أوصى بها ، أو لم يوص ) لقوله تعالى من بعد وصية يوصى بها أو دين [ النساء 11 ] ، ولقول علي : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين قبل الوصية . رواه [ ص: 29 ] الترمذي ، ولأن حق الورثة إنما هو بعد أداء الدين ، وقد حكى القرطبي الإجماع على تقديم الدين على الوصية إلا ما حكي عن أبي ثور : أنه قدمها عليه ، حكاه العبدري . والحكمة في تقديمها في الآية : أن الوصية لما أشبهت الميراث في كونها بلا عوض ، فكان إخراجها مشقة على الوارث ، فقدمت حثا على إخراجها ، قال الزمخشري : ولذلك جيء بكلمة " أو " التي للتسوية ، أي فيستويان في الاهتمام وعدم التضييع ، وإن كان مقدما عليها ، وقال السهيلي : لما كانت الوصية طاعة وخيرا والدين غالبا لمنفعة ، وهو مذموم في غالب أحواله ، وقد تعوذ منه عليه السلام ، فبدأ بالأفضل ، وقال ابن عطية : الوصية غالبا تكون للضعاف ، فقوي جانبها بالتقديم في الذكر ; لئلا يطمع ويتساهل فيها بخلاف الدين ، وحينئذ إن كان له وصي قام بإخراج ذلك ونفاذه ، وإلا فالوارث نص عليه ، وقيل : يتولاه الحاكم ، كما لو كان الوارث ولا وصي له .

                                                                                                                          فرع : إذا أخرج أجنبي عن ميت زكاة تلزمه بإذن وصيه ، أو وارثه أجزأت ، وإلا فوجهان ، وكذا لو أخرجها الوارث ، وثم أجنبي أخرجها ، ولم يعلمه ، وكذا الحج والكفارة . ( وإن وصى معها ) أي مع الواجبات ( بتبرع اعتبر الثلث من الباقي ) أي بعد إخراج الواجب ، فلو كانت تركته أربعين ، فيوصي بثلث ماله ، وعليه دين عشرة ، فتدفع أولا ، ويدفع إلى الموصى له بالثلث عشرة ، وهو ثلث الباقي بعد الدين ( فإن قال : أخرجوا الواجب من ثلثي ) [ ص: 30 ] أخرج الثلث ، وتمم من رأس المال على ما قال الموصي ، كأنه قصد إرفاق ورثته بذلك فإن كان وصى معها بتبرع ( فقال القاضي : يبدأ به ) قدمه في المحرر والفروع ، وجزم به في الوجيز ( فإن فضل من الثلث شيء ، فهو لصاحب التبرع ) لأن الدين تجب البداءة به قبل الميراث والتبرع ، فإن عينه في الثلث ، وجبت البداءة به ، وما فضل للتبرع ( وإلا بطلت الوصية ) أي : إن لم يفضل شيء للتبرع سقط ; لأنه لم يوص له بشيء إلا أن يجيز الورثة ، فيعطى ما أوصي له به ( وقال أبو الخطاب : تزاحم به أصحاب الوصايا ) فيحتمل ما قاله القاضي وغيره ( ويحتمل ) ما قاله المؤلف هنا وهو ( أن يقسم الثلث بينهما ) على قدر حقيهما كالموصى لهما ، ويتمم الواجب من رأس المال ; لأنه لا بد من وفائه ، ولم يبق من الثلث ما هو محل له فيدخله الدور ; لأنه لا يعلم قدر الثلث ، حتى يعلم ما هو الواجب ، ولا يعلم تتمته حتى يعلم ما يستحقه بالمزاحمة ، ولا يعلم ما يستحق بالمزاحمة حتى يعلم الثلث ، فعلى هذا يحتاج إلى العمل بطريق الجبر ( فلو كان المال ثلاثين والواجب عشرة والوصية عشرة ، جعلت تتمة الواجب شيئا ) ونكر ; لأنه معلوم حالا لا مآلا ( يكن الثلث عشرة إلا ثلث شيء ) لأنك إذا أسقطت شيئا من ثلثين يكن ثلثها ذلك ( بينهما ) أي : بين الواجب والوصية لتساويهما في القدر ( للواجب خمسة إلا سدس شيء ) لأنه نصف ما ذكر ( فضم إليه شيئا ) لأنه تتمته ( تكن عشرة ) لأن الشيء ستة خرج منه بينها سدس جبرا للخمسة ، وتبقى خمسة ، وخمسة أسداس تعدل عشرة ( فتجبر الخمسة بسدس شيء من الشيء ) ليخرج بلا كسر ( يبقى خمسة أسداس شيء تعدل خمسة ، فالشيء ستة ) لأن الخمسة [ ص: 31 ] إذا عدلت خمسة أسداس كان كل سدس يعدل واحدا ( ويحصل للوصي الآخر ) وهو صاحب التبرع ( أربعة ، وفي عملها طريق آخر ، وهو أن يقسم الثلث بكماله بين الوصايا بالقسط ) ثم ما بقي من الواجب أخذته من الورثة ، وصاحب التبرع بالقسط ، فيحصل للواجب خمسة ، ويبقى له خمسة ، يأخذ من صاحب التبرع دينارا ; لأنك نسبت ما لصاحب التبرع ، وهو خمسة من خمسة وعشرين ، فكانت الخمس ، ويأخذ من الورثة أربعة . فرع : إذا أوصى بالواجب ، وقرن به الوصية بتبرع مثل : حجوا عني ، وأدوا ديني ، وتصدقوا عني ، فوجهان أصحهما : أن الواجب من رأس المال ; لأن الاقتران في اللفظ لا يدل على التساوي في الحكم ; لقوله تعالى كلوا من ثمره . الآية . والثاني : أنه من الثلث ; لأنه قرن به ما يخرجه من الثلث ، ومن مات بطريق مكة ، لزمه أن يوصي بحجة الإسلام ، قاله في الروضة ، وكذا كل واجب عليه .




                                                                                                                          الخدمات العلمية