الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار

                                                                                                                                                                                                                                      سرابيلهم أي: قمصانهم من قطران جملة من مبتدأ وخبر، محلها النصب على الحالية من المجرمين، أو من ضميرهم في مقرنين، رابطتها الضمير فقط كما في كلمته فوه إلى في، أو مستأنفة. والقطران: ما يتحلب من الأبهل فيطبخ فتهنأ به الإبل الجربى، فيحرق الجرب بما فيه من الحدة الشديدة، وقد تصل حرارته إلى الجوف، وهو أسود منتن يسرع فيه اشتعال النار، يطلى به جلود أهل النار، حتى يعود طلاؤه لهم كالسراويل. ليجتمع عليهم الألوان الأربعة من العذاب لذعه، وحرقته، وإسراع النار في جلودهم، واللون الموحش والنتن. على أن التفاوت بينه وبين ما نشاهده، وبين النارين لا يكاد يقادر قدره، فكأن ما نشاهده منهما أسماء مسمياتها في الآخرة فبكرمه العميم نعوذ، وبكنفه الواسع نلوذ. ويحتمل أن يكون ذلك تمثيلا لما يحيط بجوهر النفس من الملكات الردية، والهنات الوحشية فتجلب إليها الآلام والغموم، بل وأن يكون القطران المذكور عين ما لابسوه في هذه النشأة، وجعلوه شعارا لهم من العقائد الباطلة، والأعمال السيئة المستجلبة لفنون العذاب. قد تجسدت في النشأة الآخرة بتلك الصورة المستتبعة لاشتداد العذاب، عصمنا الله سبحانه عن ذلك بمنه، ولطفه. وقرئ: (من قطران) أي: نحاس مذاب متناه حره، وتغشى وجوههم النار أي: تعلوها، وتحيط بها النار التي تمس جسدهم المسربل بالقطران. وتخصيص الوجوه بالحكم المذكور مع عمومه لسائر أعضائهم لكونها أعز الأعضاء الظاهرة، وأشرفها كقوله تعالى: " أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب ... " إلخ. ولكونها مجمع المشاعر، والحواس التي خلقت لإدراك الحق، وقد أعرضوا عنه، ولم يستعملوها في تدبيره. كما أن الفؤاد أشرف الأعضاء الباطنة، ومحل المعرفة، وقد ملئوها بالجهالات، ولذلك قيل: تطلع على الأفئدة، أو لخلوها عن القطران المغني عن ذكر غشيان النار لها، ولعل تخليتها عنه ليتعارفوا عند انكشاف اللهب أحيانا، ويتضاعف عذابهم بالخزي على رءوس الأشهاد. وقرئ: (تغشى)، أي: تتغشى بحذف إحدى التاءين. والجملة نصب على الحالية لا على أن الواو حالية; لأنه مضارع مثبت، بل على أنها معطوفة على الحال، قاله أبو البقاء .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية