الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فرع :

                                                                                                                في الكتاب : إذا جنى العبد وعليه دين ; فديته في ماله ، وجنايته في رقبته ، يسلمه سيده أو يفديه .

                                                                                                                فرع :

                                                                                                                قال : إن مات سيد المدبر وعليه دين يغترقه ، وعلى المدبر دين بيع في دين سيده وأتبع هو بدين نفسه ، ولغرماء السيد مؤاجرة المدبر في دينهم إن أعدم السيد ; فإن جنى العبد على سيده فلا شيء عليه ، وأما المدبر فيخدمه بالجناية ; [ ص: 230 ] فإن مات ولم يتبعها عتق في ثلثه وأتبع ببقية الجناية ، أو عتق بعضه في الثلث اتبع بحصة ما عتق منه من بقيتها ، ويسقط ما بقي . وقال غيره : لا يختدمه السيد ; لأنه مالك لرقبته ولخدمته قبل الجناية ، ولو فداه من أجنبي لم يتبعه بما فداه ، ولو أسلمه لأتبعه المجروح بما بقي إن عتق في الثلث ; فإن جنى على سيده وعلى أجنبي اختدماه بقدر جنايتهما . قال سحنون : وهذه مثل الأولى ; فإن قتل مدبر وحر قتيلا خطأ فنصف الدية على عاقلة الحر ، ونصفها في خدمة المدبر ; فإن قتل المدبر رجلا عمدا فعفا أولياؤه على أخذ خدمته فذلك لهم ، إلا أن يفديها السيد بجميع الدية ، وليس لهم العفو في رقه ; لأنه مدبر . فإن جنى فأعتقه سيده وأراد حمل الجناية لزمه وإلا حلف : ما أراد ، ثم ردت خدمته وخير بين إسلامه وافتدائه مدبرا ; فإن أسلمه وللمدبر مال أديت منه الجناية وعتق ، وإن لم يوف ماله أخدمته وأخدمه المجروح بما بقي وعتق ، وإن لم يكن له مال اختدمه ; فإن استوفى والسيد حي عتق ، أو مات السيد قبل والثلث يحمل المدبر عتق واتبع ببقية الجناية ، وإن لم يدع السيد غيره عتق ثلثه واتبع بثلثي الأرش ورق باقيه للمجروح إن كانت قيمة ذلك مثل ما قابله من قيمة الأرش ; لأن سيده أسلمه حين كان له الخيار ، ولا خيار فيه للورثة لأن الموروث أسلمه ، وإن لم يحلف السيد أنه ما أراد حمل الجناية عتق وكانت الجناية على السيد ; فإن لم يكن له مال رد عتقه ، وأسلم يخدم المجروح ; فإن أدى في حياته عتق ولم يلحقه دين استحدثه السيد بعد عتقه ، وإن لم يوفها حتى مات السيد ، وقد استحدث بعد عتقه دينا [ ص: 231 ] يغترقه الغي وعتق ثلثه واتبع بثلثي بقية الأرش ، ثم إن باعه أخذ في ثلثيه بثلثي باقي الجناية عتق ، وإلا رق ثلثاه لأهل الجناية ; إلا أن يكون في ثمن ثلثيه فضل عن ثلثي باقي الجناية فيباع من ثلثيه بقدر ثلثي باقي الجناية وعتق الباقي . وإن كان للسيد مال يخرج من ثلثه عتق واتبع بباقي الجناية ، وإن كان دين السيد قبل العتق والجناية ; فهو كمدبر لم يعجل له عتق ، ولو أن عبدا بين رجلين دبر أحدهما نصيبه فرضي شريكه وتماسك وجنى ; خير الذي دبر في إسلام خدمة نصف العبد أو دفع نصف الجناية ، وجناية العبد في رقبته ، ( والخدمة خدمته ) وما جني على المدبر فعقله لسيده بخلاف ( ماله ، ومهر المدبرة كمالها هي أحق به بعد موت السيد من الوارث ; لأنها استحلت به ، ويخير الذمي في مدبره الذي في إسلامه عبدا ; لأنه لا يمنع بيعه كما لو أعتق عبدا ولم يخرجه من يده ، وإن فداه بقي على تدبيره ، وإن أسلم مدبره ثم جنى ; خير في إسلام خدمته وفدائه فيؤاجر له ولا يختدمه ; لأن مدبر الذمي إذا أسلم لزمه تدبيره وأجرته عليه ; لأنه حكم بين مسلم وذمي ، وإذا أسلم مدبر الذمي ثم قتل أو جرح فعقله لسيده .

                                                                                                                في التنبيهات : قال : في المدين يكون له مال ; يبدأ بماله ، وقال : إذا أعتقه وحلف ردت خدمته ، وخير سيده ; فإن أسلمه وله مال أخذ من المدبر ، فجعل تخيير السيد أولا . قيل : إنه مما يختلف فيه ، هل يفدي بمال المدبر ومن يعينه ؟ فإن فقد خير السيد ، وهو ظاهر كتاب أول الجنايات في الجاني يعتق . قال : قال اللخمي : وهذا على الخلاف هلا يرجع إلى فداء السيد رقيقا أو حرا ، فعلى الأول يبتدأ بماله ، وعلى [ ص: 232 ] الثاني يبتدأ بتخيير السيد ، وظاهر الكتاب : بطلان العتق وهو كشرائه وقد بطل التدبير بالجناية ، ومثله عن ابن كنانة : في العبد يجني ثم يعتقه سيده ، وأنه يحلف : ما أراد حمل الجناية ويرد عتقه ، ثم إن فداه بقي له عبدا وواله عنده إن كان للجناية عند العتق ، وعن ابن القاسم : إن فداه عتق تنفيذا لعقد التدبير . قال التونسي : إنما ينبغي على مذهب ابن القاسم أن يخير السيد أولا ; فإن فداه لم يحلف وإلا حلف . قال ابن يونس : قال محمد : إن لم يكن للسيد مال استحلفه وأسلمه للمجروح يختدمه ; لعدم الفائدة في التحليف متى رجع وسيده حتى لا يضره الدين المستحدث ، وإن لم يرجع حتى مات سيده بطل عتق البتل وعتق بالتدبير ; فيكون الدين المستحدث أولى به ، وتكون الجناية أولى به من الدين; إلا أن تكون فيه فضلة عن الدين والجرح ، فيعتق من تلك الفضلة ثلثاه ويرق بقيتها ، وإن جنى المدبر صغيرا لا يكتسب له ، قال محمد : لا شيء عليه ولا على سيده حتى يبلغ العمل ويطيقه ، فإن مات قبل ذلك سقط حق المجروح ) وكذلك المدبرة التي لا عمل عندها ولا منعت .

                                                                                                                فرع :

                                                                                                                في الكتاب : إن جنت أم الولد لزم سيدها الأقل من الأرش أو قيمتها أمة يوم الحكم ، زادت قيمتها أو نقصت ; لتعذر رقها ، وكذلك ما أفسدته بيدها أو دابتها أو بتسببها ; فإن كان الأقل أكثر من قيمتها لم يتبع السيد بما زاد ولا هي إن عتقت ; لأنها لو كانت قنا وأسلمت لم يكن عليها فضل الجناية ، ويحاص أهل الجناية عزما سيدها بذلك ، وتقوم أمة بغير مالها ; لتعلق الجناية برقبة الرقيق . وقيل : به ; لأنه زائد في [ ص: 233 ] قيمتها ، ولا يقوم ولدها معها وإن ولدته بعد الجناية ; لأنه رقيق آخر ، وإن قتلت رجلا خطأ فلم ينظر فيه حتى قتلت آخر خطأ فقيمتها بين أوليائهما نصفين ، وإن حكم في الأول بالأول وجب للثاني الأقل أيضا ثانية يوم الحكم ، وكذلك يفديها كلما جنت إلا أن يتأخر الحكم حتى تجتمع جنايات ; كل جناية مثل قيمتها فأكثر ، فلا يقوم إلا قيمتها لعدم الحكم المعين للأول شيئا كالعبد يجني فيفتديه ، ثم يجني فيخير فيه ثانية بالفداء والإسلام ، أو إن اجتمع عليه جنايات قبل أن يفديه خير بين دفع قيمة ما جنى لكل واحد منهم ، أو يسلمه فيتحاصص فيه بقدر جنايتهم ، فإن جنت أقل من قيمتها ثم على أحد أكثر من قيمتها فعلى سيدها قيمتها لهما يقسمانها بقدر الجنايتين ; فإن قام أحدهما والآخر غائب ، فله الأقل من أرشه أو ما ينوبه في المحاصة مع الغائب من قيمتها الآن ، ثم إن قام الآخر فله الأقل من جنايته أو حصته من قيمتها يوم يقوم ، وإن جنت ولم يحكم عليهما حتى جنى عليها ما أخذت له إن شاء ; فعلى سيدها الأقل من أرش الجناية أو قيمتها ، معينة يوم الحكم فيها مع الأرش الذي أخذه فيها ، وكذلك العبد يجني ثم يجنى عليه قبل الحكم فيخيره في إسلامه مع ما أخذ من أرش أو يفديه ، وهذا إذا أخذ في أرش أقل من دية ما جنى ، فإن كان فيه وفاء بذلك أو أكثر ، فلا خيار للسيد ، ويؤدي من ذلك المجني عليه الأرش ، ويبقيان لسيدهما جمعا بين المصالح . وإن قتلت عمدا فعفا الولي على قيمتها لم يلزم السيد إلا أن يشاء ; لأن جناية الرقيق لا تتعلق بالسيد ، فإن أبى فلهم القتل أو العفو كالحر يعفى عنه على الدية فيأبى ، وقال غيره : يلزم السيد غرم الأقل من القيمة أو الأرش ، وليست [ ص: 234 ] كالحر بل كالعبد ، وإن عفا على أخذ رقبتها امتنع ; لتعينها للحرية ، وإن رضي السيد وكذلك المدبر ، وإن جنت ولم يحكم فيها حتى ماتت فلا شيء على السيد ; لأن جنايات الرقيق في رقابهم . وإن لم تمت ومات السيد ولا مال له فلا شيء على أم الولد . قال غيره : ذلك إن قاما على السيد حيا ، فإن مات قبل قيامهم فلا شيء عليه ، وهو عليها ; لأنها الجناية ، وما جني عليها فعقله لسيدها وكذلك المدبرة . وإن اغتصب حرة فعليه صداقها ، أو أمة أو أم ولد ، أو مكاتبة ، ولم ينقصها ذلك فلا شيء عليه إلا الحد ; لأنه يجرى مجرى الأموال لا يضمن إلا بالنقص ، فإن نقص فذلك للسيد ، ويحاص المكاتبة به في نجومها ، ويقوم كل من عليه علقة رق قيمة عبد ، وإن جنت على سيدها فلا شيء عليها ، وإن ولدت من غير السيد بعد أن صارت أم ولد ، فجنى ذلك الولد بأكثر من قيمته أو أقل ; خير السيد في فدائه ويبقى على حاله ، أو يسلم خدمته فيختدم بالأرش ; فإن وفى رجع لسيده ، وإن مات السيد قبل الوفاء عتق تبعا لأمه وبقية الأرش عليه ; لأنه الجاني بخلاف أمه ، وللمجني عليه أخذ خدمة الولد حتى يتم حقه إلا أن يفتكه السيد بدية الجناية ، ويفدي الذمي أم ولده بالأقل ، وله إسلامها رقا ; لأنا لا نمنعه بيعها ويحل وطؤها للمسلم إليه ولمبتاعها ، وإن استدانت أم الولد من تجارة أذن لها فيها ، ففي ذمتها كالعبد . وإن جنت أم الولد ; فوطئها السيد فحملت ، فإن لم يعلم بالجناية أدى الأقل من قيمتها يوم حملت أو الأرش ، فإن لم يكن معه ( مال أسلمت للمجني عليه ) اتبع به ، وإن علم قبل الوطء [ ص: 235 ] لزمه جميع الأرش وإن زاد على قيمتها ، لأنه رضي ، فإن لم يكن له مال أسلمت للمجني عليه ولا شيء عليه في الولد ; لأنه لا يسلم أمة بولدها ، والابن يطأ من تركة أبيه ، وعلى الأب دين يغترقها ، فإن علم به وبادر الغرماء ; لزمته قيمتها ، فإن لم يكن له مال بيعت لهم ، وإن لم يعلم أتبع بقيمتها في عدمه ، وكانت له أم ولد ، وقال غيره هذا بخلاف وطئ السيد ، وعلى السيد إسلامها في عدمه . وإن لم يعلم بالجناية ( لأنه لو باعها ولم يعلم بالجناية ) وأعتقها المبتاع لم يكن له ذلك فوتا ، ولو باعها الورثة ولم يعلموا بالدين وأعتق المبتاع لم يرد العتق ; وإنما لهم الثمن إن وجدوه ، وإلا اتبعوا به من أخذه .

                                                                                                                في التنبيهات : قوله : أو ماتت قبل سيدها وقبل الحكم ; لا يكون على السيد شيء ، لم يذكر ألها مال أم لأبيه عليه . قال عبد الملك : إن كان لها مال وهو عين ، فللمجروح عقله منه ، وإن قصر لم يكن للمجروح غيره ، وإن كان عرضا خير سيدها في افتكاكه بالأرش ، أو إسلامه ، وقوله إن مات السيد فلا شيء على أم الولد . وقال غيره : إنما ذلك إن قاموا على السيد حيا ، لم يبين ما على السيد هاهنا ، وظاهر قوله : أن مذهبه إلزام السيد الأقل من قيمتها أو الأرش ، وكذلك جاء مفسرا في سماع أصبغ ، وعن سحنون : لا شيء على ورثة السيد ، ولا يكون لهم أن يفتكوها من مال السيد ، ويكون ذلك عليه يتبع بالأقل من قيمتها أو أرش الجناية ; فيتحصل ثلاثة أقوال عند ابن القاسم : ذلك على السيد ، وعند [ ص: 236 ] سحنون : عليها ، وعن ابن القاسم : لا شيء عليها ولا على السيد ; إلا أن يكونوا قاموا عليه . في النكت : قيل : الأمة الجانية إذا وطئها السيد عالما بالجناية ولا مال له : إنها تسلم إن لم يكن فيها فضل ، وإلا تبع بقدر الأرش أو الباقي بحساب أم الولد على أحد الأقوال ، ولا بد أن تستبرأ الأمة الجانية ، إن لم يظهر حمل ، ولا يتهم في الإقرار بالوطء كانت وخشا أم لا . قال بعضهم : إن حملت فالقيمة إنما تكون يوم الحمل لا يوم الحكم ; لأن فوتها بالحمل ، وإن كان له مال قومت بمالها عند ابن القاسم وغيره ، بخلاف أم الولد الذي اختلف في تقويمها ، والفرق : تعلق الجناية برقبة هذه ومالها ، ووطؤها منع من رقبتها بالحمل وهو حادث ، وأم الولد ممنوعة الرقبة ، فاحتيج في قيمتها لما لها ، وإذا وطئ الأمة عالما وسلمها لا شيء عليه في الولد ، والابن يطأ من تركة أبيه يلزمه قيمة الولد ; لأن الأمة الجانية لا تسلم بولدها وإن حدث بعد الجناية ، وفي الدين تباع مع ولدها ، وألزم الواطئ عالما الأرش ، ولم يحلف إنه لم يقصد التزام الأرش ، كما إذا أعتق عبدا بعد الجناية ; لأنه في العتق ( يقول : أردت ) أن يتبع هو بالأرش في ذمته ، ولا حجة له في الحمل ، وواطئ الأمة من تركة أبيه إنما يلزمه الأقل من قيمتها أو الدين ; وإن وطئها عالما بالدين لا يلزمه الدين كله ، فما يلزمه الأرش كله في الجنايات إذا علم بجنايتها ; لأن الدين لا يتعلق بعينها خاصة ، وإنما الحكم : أن تباع فيه ، فإن كان أقل فهو الذي أتلف على الغرماء ، وإن كان دينهم أقل فلا حجة لهم ، والجناية متعلقة بالرقبة ، ولو هلكت الرقبة بطلت الجناية . قالالتونسي : في الموازية : إذا جنت أم الولد يفديها بالجناية كلها أو يسلمها . قال : وهو صواب ; لأنه إذا قدر على إسلامها لم يفدها إلا بالجناية كلها كالعبد ، والأحسن : تقويم أم الولد بحالها ; لأنها لو كانت أمة أسلمها بما لها ، فكذا يجب أن يفديها ، وفي الكتاب خلافه ، [ ص: 237 ] ولذلك إذا ولدت من غير سيدها أن يسلم الولد معها ; لأن الجناية متعلقة بعينها ، وهو من نمائها فيكون للمجني كما لو هلكت ضمانها منه ، وكذا إن اعتلت علة بعد الجناية أسلمها معها ، وإذا مات ولا مال له فلا شيء عليه ولا عليها ، وقال غيره : ذلك عليها ; لأنها الجانية ، وفي الموازية : إن ترك السيد مالا أخذت الجناية من ماله ، وقد يقال : لا شيء على السيد إن ترك مالا ; لأنه إنما بطلت بقيتها يوم يقام عليه وله مال والتركة ملك غيره بالإرث إلا أن يقال : الجناية متعلقة بذمته ، وإن جني عليها أو مات السيد قبل قبضه فقيل : ذلك لها ، وقيل : لسيدها - وهو الأصوب - وإن جنت الأمة فباعها سيدها ولم يعلم فأولدها المشتري ; فإن افتكها السيد تم البيع ، وإن لم يفدها البائع فداها المشتري بالأقل من قيمتها ، أو دية الجناية ، ويرجع على البائع بالثمن إلا ما يقع على المشتري من قيمة الولد يفض الثمن على قيمة الولد والأم ; كأنه اشتراهما معا ، ورجع على البائع بحصة الأم . قال : وفيه نظر ; لأنه لم يكن معها وقت البيع . قال ابن سحنون : إن جنت أم الولد على رجلين موضحة ، فقام أحدهما فأسلم إليه سيدها قيمتها ولم يعلم بالآخر وكانت قيمة يوم الأرش سواء ، فلم يقم الثاني حتى جرحت ثالثا موضحة ، ثم قام هو والثاني ، رجع السيد على الأول بخمسة وعشرين ; لأنه إنما كان له يوم قام نصف الجناية ، ثم ينظر إلى قيمتها اليوم ، فإن كانت ستين فقد جنى على الثالث فعتقها المفتك وهو فارغ ، والنصف الآخر وهو مرتهن بجناية الثاني فنصف موضحة في النصف الفارغ فيفتكه السيد منه بخمسة وعشرين ; لأنه نصف جنايته أقل من نصف قيمتها الآن ، والنصف الثاني بينه وبين الثاني على ما بقي لهما ، والباقي في جنايته ، وللثاني في جميع جنايته ; فيقتسمان نصف قيمتها ثلاثا وثلاثين : فللثالث ثلاثة عشر ، وللثاني الباقي . وعن ابن القاسم : [ ص: 238 ] إن قام الثاني أو الثالث رجع بنصف ما أعطى الأول ، ويعطي هذين إن شاء دية جرحهما أو قيمتها الآن ، فتكون بينهما نصفين ، وأنكر سحنون قوله : نصفين ودية جرحهما كاملا ، وإن جني على أم الولد فأعتقها قبل أخذ الأرش . قال محمد : هو لها كمالها . وقال أشهب : للسيد ; لأنه استحقه قبل العتق ، وأما العبد يعتقه أو يهبه بعد علمه بالجرح ; فلسيده وإن لم يسلمه ، بخلاف ماله . وقال أشهب في أم الولد : الذمي لا يفديها إلا بجميع الأرش ، فإن جنت فأسلمت قبل الحكم ؟ قال ابن حبيب : يفديها وتعتق عليه ويسلمها ; لأنها مرتهنة بالجناية قبل أن تسلم ، فإن أسلمها وفي ثمنها فضل بيع منها للجناية وعتق الباقي ، وإن كانت كفافا أو أقل من الجناية وقت للمجني عليه ، فإن أسلمت ثم جنت قبل أن يحكم بعتقها عتقت ، وعلى السيد الأقل من جنايتها أو قيمتها كأم ولد المسلم ; لأنه لم يكن يقدر على بيعها ولا إسلامها ، ولو ماتت قبل الحكم يعتقها لورثتها بالرق ، وإن قتلت أخذ قيمتها قيمة أمة ، وإن أسلم فهو أحق بها ، وإن جني عليها فالأرش لسيدها في القياس ، والاستحسان أن يكون لها إن لم يسلم سيدها ، ويعرفهابن حبيب : مرة بالجناية قبل الإسلام أو بعده استحسان ، والقياس عدم الفرق ; لأن إسلامها ليس بعتق ، ولأن الجناية إنما تستحق يوم الحكم ، وقد صادفها ذلك قبل العتق ; فوجب على السيد الأقل من قيمتها أو الأرش ، ولم يكن له أن يسلمها لأنها بالإسلام صار لها حكم أم الولد المسلم ; لأنه حكم بين مسلم وذمي . وعن ابن القاسم : إن أسلمت ثم جنت قبل أن تعتق عليه ( اتبعت بالجناية دون سيدها ، ولا يجتمع أنها تعتق عليه ) ويغرم ، قال اللخمي : إن قتلت أم الولد خطأ ; أربعة أقوال : قال مالك : يفديها [ ص: 239 ] بالأقل من الجناية ، أو قيمتها يوم الحكم . وقال المغيرة : الأقل من الجناية أو القيمة يوم جنت ، وقال ابن عبد الحكم : لا شيء عليه ، بل في ذمتها ، وقال ( ابن الجهم ) : يخير السيد بين أرش الجناية أو يسلم ما بقي له فيها من الخدمة فيستخدمها أو يؤاجرها ، ولا يلحقه من جنايتها أكثر مما يملك ; فإن وفت رجعت إليه ، وإن مات عتقت واتبعت بالباقي ، قال : وهو أبين كالمدبرة ، بل أم الولد أقوى حرية ، فإذا لم تلزمه قيمة المدبرة فأولى هاهنا ، وإذا جنت ثم جنت قبل الفداء ؟ قيل : إن كانت قيمتها مثل أقل الجنايتين فإنها تكون بينهما بالسواء ; لأنه لو انفرد أحدهما أخذ جميعها ، فلا عبرة بالأكثر ، بخلاف المفلس يكون ماله أقل الدينين ; لأن تلك معاملات تؤثر فيها في يديه بالقلة والكثرة بحسب ما تسلم ، وله ذمة تتبع ، وإن استوت الجنايات وقام أحدهما أولا فله الأقل من جنايتها أو نصف قيمتها يوم الحكم له ، فإن قام الأول ولم يعلم بالثاني فافتداه منه السيد ، ثم قام الثاني ، نظر ما ينوب الأول في الحصاص لو علم بالثاني فيترك ، وانتزع منه السيد الفضل ، ثم دفع الثاني الأقل من جنايته ، أو نصف قيمتها اليوم ، وإن علم بالجنايتين فافتدى من الأول دون الثاني حتى جنت على ثالث : فالجناية الثالثة تفض على نصفها لا جناية فيه ، ونصف فيه جناية ، وإذا جنت الأمة ، ثم أولدها سيدها ، يختلف فيها في أربعة مواضع : إن كان غير عالم موسرا ، هل القيمة يوم الحكم أو يوم الحمل ؟ وإن كان معسرا غير عالم : هل تمضي أم ولد ، أو يأخذها المجني عليه ؟ وإن كان عالما موسرا ، هل تعد إصابته رضا فيحمل الجناية أم لا ؟ ( وإن كان معسرا ، أو كان له أن يأخذها هل يتبعه بقيمة الولد أم لا ) ؟ قال ابن القاسم : في [ ص: 240 ] الأول القيمة يوم الحكم ، وفي الثاني تمضي له أم ولد بالأقل من قيمتها أو قيمة الجناية كالمحبل أمة من تركة ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌أبيه ، ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌وفي الموازية : إن كان عالما موسرا فهو رضا بحمل الجناية ، وهذا إذا علم الجناية وما يوجبه الحكم‌‌‌‌‌ ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌أنه يمنع منها إلا أن يتحملها ، فإن جهل حلف أنه جهل الحكم . وفي الموازية : إذا حملت بعد الجناية أسلم ولدها معها ; فعلى هذا إذا كان عالما فقيرا وأسلمت الأمة اتبع بقيمة الولد .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية