الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
12 - باب نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها


1 - وحرك لورش كل ساكن آخر صحيح بشكل الهمز واحذفه مسهلا



[ ص: 104 ] أمر الناظم بتحريك كل حرف ساكن وقع آخر الكلمة التي هو فيها، وكان صحيحا، بتحريك هذا الحرف بشكل الهمز الذي بعده أي بحركته، سواء كانت تلك الحركة فتحة أو ضمة أو كسرة، مع حذف الهمز بعد نقل حركته إلى الساكن قبله وذلك لورش، ويؤخذ من النظم: أن ورشا لا ينقل حركة الهمز إلى ما قبله إلا بثلاثة شروط:

الأول: أن يكون الحرف المنقول إليه حركة الهمز ساكنا.

الثاني: أن يكون الساكن آخر الكلمة، والهمز أول الكلمة التي تليها.

الثالث: أن يكون هذا الحرف الساكن صحيحا بأن يكون حرف مد. فإذا تحققت الشروط الثلاثة فإن ورشا ينقل حركة الهمز إلى الساكن قبله ويحذف الهمز فيصير الحرف الساكن مضموما إن كانت حركة الهمز ضمة، ويصير مفتوحا إن كانت حركة الهمز فتحة، ويصير مكسورا إن كانت حركة الهمزة كسرة سواء كان هذا الساكن تنوينا نحو: كفوا أحد ، و ومتاع إلى حين ، لأي يوم أجلت ، نار حامية ، ألهاكم . أم كان نونا نحو من آمن ، ومن آبائهم ، من أوتي ، من إستبرق ، أم تاء تأنيث نحو وقالت أولاهم ، فإن بغت إحداهما ، وإذ قالت أمة منهم أم حرف لين نحو نبأ ابني آدم ، تعالوا أتل ، ذواتي أكل . أم لام تعريف نحو (الأولى)، (الآخرة) (الإيمان)، أم حرفا آخر غير ذلك نحو قد أفلح ، ارجع إليهم ، الم أحسب الناس . وإذا نقل حركة همزة أحسب إلى الميم، جاز له مد الميم مدا طويلا نظرا للأصل، وجاز له القصر اعتدادا بعارض النقل، فإذا كان الحرف الأول متحركا فلا ينقل ورش حركة الهمز إليه نحو فنتبع آياتك ، فيه آيات بينات . وإذا كان هذا الحرف ساكنا ولكن في وسط الكلمة بأن اجتمع مع الهمز في كلمة واحدة، فلا تنقل إليه حركة الهمز نحو (القرآن)، (الظمآن)، (مذءوما)، (مسؤولا)، وإذا كان هذا الحرف ساكنا ووقع آخر الكلمة ولكن لم يكن صحيحا، ولا حرف لين بل كان حرف مد، فلا تنقل إليه حركة الهمز نحو بما أنزل إليك ، قولوا آمنا ، وفي أنفسكم ، به أن يوصل ، فيكون قوله (صحيح) احترازا عن حرف المد فقط، فيكون [ ص: 105 ] حرف اللين داخلا، وقول الناظم (مسهلا) منصوب على الحال من فاعل (واحذفه) أي احذف الهمز حال كونك سالكا الطريق المعبد طالبا للتخفيف في القراءة.


2 - وعن حمزة في الوقف خلف وعنده     روى خلف في الوصل سكتا مقللا
3 - ويسكت في شيء وشيئا وبعضهم     لدى اللام للتعريف عن حمزة تلا
4 - وشيء وشيئا لم يزد



اختلف الرواة عن حمزة في الوقف على الكلمة التي ينقل ورش حركة همزتها إلى الساكن قبلها، فروى عنه بعض الرواة فيها النقل كقراءة ورش، وروى عنه البعض الآخر ترك النقل وتحقيق الهمز، والضمير في (وعنده) يعود على الساكن الصحيح الذي ينقل ورش حركة الهمزة إليه.

المعنى: روى خلف عن حمزة عند هذا الساكن في حال وصل الكلمة التي آخرها ذلك الساكن بالكلمة التي أولها الهمز سكتا قليلا على هذا الساكن، بأن يسكت عليه قبل النطق بالهمزة سكتة قصيرة بدون تنفس، سواء وقف على الكلمة التي أولها الهمز، أو وصلها بما بعدها، فليس المراد بالوصل وصل الكلمة التي أولها الهمز بما بعدها بل المراد وصل الكلمة التي آخرها الساكن بالكلمة التي أولها الهمز كما تقدم سواء كان هذا الساكن منفصلا عن الكلمة التي فيها الهمز رسما نحو من آمن ، عذاب أليم . أم متصلا بها رسما مثل (الأولى)، (الآخرة)، (الإنسان)، وكذلك روى خلف عن حمزة السكت على ما لم ينقل فيه ورش، وهو لفظ (شيء) سواء كان مرفوعا أم مجرورا، ولفظ (شيئا) المنصوب في حال وصل هذين اللفظين بما بعدهما، وهذا مذهب أبي الفتح فارس عن خلف، وعلى هذا المذهب لا سكت لخلاد في موضع مما ذكر، وقوله (وبعضهم) إلخ [ ص: 106 ] معناه: أن بعض أهل الأداء وهو طاهر بن غلبون قرأ عن حمزة من روايتي خلف وخلاد عنه بالسكت على لام التعريف، وعلى (شيء) المرفوع والمجرور، و (شيئا) المنصوب عند وصل (شيء) و(شيئا) بما بعدهما لم يزد على ذلك، فلا يسكت على الساكن المفصول نحو من آمن ، عذاب أليم لخلف، ولا لخلاد، ويؤخذ من هذا: أن خلفا يسكت على (أل)، و(شيء)، و(شيئا) على المذهبين، ويسكت على المفصول على المذهب الأول فقط، ولا سكت له فيه على المذهب الثاني، فحينئذ يكون له في الساكن المفصول وجهان: السكت على المذهب الأول، وتركه على المذهب الثاني، ويكون له في (أل)، و(شيء)، و(شيئا) السكت على المذهبين. وأما خلاد: فلا سكت له مطلقا على المذهب الأول، وله السكت على (أل)، و(شيء وشيئا) فقط، على المذهب الثاني، وحينئذ ليس له سكت في الساكن المفصول على المذهبين، وقد وضح بعضهم كلام الشاطبي على النحو السالف الذكر فقال:


وشيء وأل بالسكت عن خلف بلا     خلاف وفي المفصول خلف تقبلا


وخلادهم بالخلف في أل وشيئه     ولا شيء في المفصول عنه فحصلا



ويستفاد من جميع ما ذكر: أن خلفا إذا وقف على نحو من آمن ، عذاب أليم ونحوهما كان له ثلاثة أوجه: النقل من قوله (وعن حمزة في الوقف خلف)، والسكت على مذهب أبي الفتح، وتركه على مذهب ابن غلبون، فالخلاف الذي ذكره الناظم بقوله: (وعن حمزة في الوقف خلف) دائر بين النقل وتركه، وتركه صادق بالسكت وعدمه. وإذا وقف على (الأولى)، (الآخرة)، (الأرض)، (الإنسان)، ونحو هذا كان له وجهان فقط: النقل، والسكت، فالنقل من قوله (وعن حمزة في الوقف خلف)، والسكت مما علم له من المذهبين.

وأما خلاد فله عند الوقف على نحو من آمن وجهان فقط: النقل، وتركه من غير سكت إذ لا سكت له في المفصول على المذهبين. وإذا وقف على (الإنسان) ونحوه، كان بحسب ما تقدم ثلاثة أوجه: النقل، والسكت، وتركه، ولكن المحققين على منع الوجه الثالث والاقتصار على النقل والسكت، فيكون كخلف في الوقف على مثل هذا، وإذا كنت تقرأ لخلف أو لخلاد بالسكت على (أل) (وشيء)، ووقفت على نحو (الأرض)، فلك وجهان لكل من خلف وخلاد وهما: النقل والسكت، وأما إذا كنت تقرأ لخلاد بترك السكت على (أل) (وشيء) ووقفت على نحو (الأرض) فليس له عند الوقف إلا النقل، [ ص: 107 ] وإذا كنت تقرأ لخلف بالسكت على المفصول ووقفت على نحو عذاب أليم فلك فيه وجهان: السكت والنقل، وإذا كنت تقرأ له بترك السكت على المفصول ووقفت على نحو عذاب أليم فلك فيه وجهان: النقل، والتحقيق من غير سكت. وإذا كنت تقرأ لخلاد بترك السكت على المفصول وليس له غيره ووقفت على نحو عذاب أليم فلك فيه وجهان: النقل، والتحقيق من غير سكت. قال الناظم:


4 - ولنافع لدى يونس     آلآن بالنقل نقلا



المعنى: أن كلمة " آلآن " ، في الموضعين من سورة يونس نقل عن نافع من روايتي قالون وورش عنه قراءتها بنقل حركة الهمزة الثانية إلى اللام مع حذف الهمزة، فورش على أصله في النقل. أما قالون: فهو الذي خالف أصله في النقل في هذه الكلمة. وقوله:

(نقلا) بتشديد القاف للإشعار بكثرة نقلته ورواته عن نافع.


5 - وقل عادا الأولى بإسكان لامه     وتنوينه بالكسر كاسيه ظللا
6 - وأدغم باقيهم وبالنقل وصلهم     وبدؤهم والبدء بالأصل فضلا
7 - لقالون والبصري وتهمز واوه     لقالون حال النقل بدءا وموصلا
8 - وتبدا بهمز الوصل في النقل كله     وإن كنت معتدا بعارضه فلا



قوله تعالى في سورة النجم وأنه أهلك عادا الأولى قرأه المشار إليهم بالكاف، والظاء وهم: ابن عامر، وابن كثير، والكوفيون بإسكان لام (الأولى) وكسر تنوين (عادا) للتخلص من التقاء الساكنين، وهما التنوين واللام، ثم قال: (وأدغم باقي القراء) وهم: نافع، وأبو عمرو، وقرآ بنقل حركة همزة (الأولى) إلى اللام مع حذف الهمزة في حال وصلهم كلمة (الأولى) بكلمة (عادا) وحال بدئهم بها، وليس النص على الإدغام لهما بلازم لأنهما لما نقلا حركة الهمزة إلى اللام صارت اللام متحركة بالضم، فأدغم التنوين فيها بمقتضى قواعد التجويد. وقوله (والبدء بالأصل فضلا)، لقالون والبصري معناه: أن البدء بكلمة (الأولى) بهمزة الوصل وسكون اللام وضم الهمزة على الأصل كقراءة ابن كثير [ ص: 108 ] ومن معه، فضل على غيره لقالون والبصري، والمفصل عليه هو البدء بالنقل. وأما ورش فيقرأ بالنقل على أصل مذهبه، سواء وصل كلمة الأولى بعادا، أو ابتدأ بها. ومعنى قوله: (وتهمز واوه) إلخ، أن قالون يقرأ بهمزة ساكنة في مكان الواو في حال قراءته بالنقل، سواء وصل الكلمة بما قبلها أو ابتدأ بها.

وأما إذا قرأها من غير نقل بأن ابتدأ بها على الأصل كقراءة ابن عامر ومن معه، فلا يهمز بل يقرأ بواو ساكنة كما تقدم. ثم ذكر الناظم قاعدة عامة لكل من يقرأ بالنقل وهي: أن كل كلمة وقع في أولها (أل) التي للتعريف وكان بعد أل همزة قطع نحو (الأولى)، (الآخرة)، (الإنسان). ثم نقلت حركة همزة القطع إلى اللام فلك عند البدء بهذه الكلمة وجهان:

الأول: الابتداء بهمزة الوصل باعتبار الأصل وهو سكون اللام وعدم الالتفات إلى حركة اللام العارضة فنقول: ألأولى، ألأرض، ألإنسان.

الوجه الثاني: الابتداء باللام اعتدادا بحركتها العارضة، واطراحا للأصل، وهذا معنى قوله: (وتبدأ بهمز الوصل في النقل كله)، أي اتباعا للأصل، وإن كنت معتدا بعارضه أي بعارض النقل يعني بحركته العارضة، منزلا لها منزلة الحركة الأصلية، فلا تبدأ بهمزة الوصل، لأنها إنما تجتلب توصلا للنطق بالساكن، وحيث إن اللام صارت متحركة فلا حاجة لهمزة الوصل وإنما قال الناظم: (كله) ليشمل جميع ما ينقل فيه ورش من لام التعريف، ويدخل في ذلك (الأولى) من عادا الأولى فيكون هذان الوجهان لورش في جميع القرآن، ويكون لقالون والبصري هذان الوجهان أيضا في هذا الموضع إن قلنا إنهما يبدآن بالنقل كما يصلان بالنقل، أما إذا قلنا إنهما يبدآن بالأصل من غير نقل، فلا بد من الإتيان بهمزة الوصل، وينبغي أن تعلم أنك إذا قرأت لورش (الأولى)، (الآخرة)، (آلآن) المجردة من الاستفهام، وأردت البدء بهذه الكلمات وأمثالها، فإن نظرت إلى الأصل وغضضت النظر عن حركة اللام العارضة وبدأت بهمزة الوصل، فلك في البدل الأوجه الثلاثة: القصر والتوسط والمد، وإن اعتبرت حركة اللام واعتددت بها وتركت همزة الوصل وبدأت باللام، فليس لك في البدل إلا القصر.

50 وهذان الوجهان: وهما البدء بهمزة الوصل، والبدء بالحرف الذي بعدها جائزان لجميع القراء [ ص: 109 ] حال البدء بكلمة (الاسم) في قوله تعالى في سورة الحجرات بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ، فلك بدؤها بهمزة الوصل، ولك بدؤها باللام للجميع.

وخلاصة ما يقال في عادا الأولى : أن ابن كثير وابن عامر والكوفيون قرءوا، عادا الأولى بكسر التنوين وسكون اللام في حال وصل الأولى (بعادا)، فإذا وقفوا على (عادا) وابتدءوا بالأولى، أتوا بهمزة الوصل مفتوحة وأسكنوا اللام وبعدها همزة مضمومة، فواو ساكنة، وأما نافع وأبو عمرو: فيقرءان بنقل حركة همزة (الأولى) إلى اللام قبلها وحذف الهمزة مع إدغام تنوين (عادا) في لام (الأولى).

غير أن قالون يقرأ بهمزة ساكنة بعد اللام المضمومة بدلا من الواو. وهذا في حال وصل الأولى (بعادا)، فإذا وقف على (عادا) وابتدئ (بالأولى) فلقالون ثلاثة أوجه: (الولى)، بهمزة الوصل وبعدها لام مضمومة وبعد اللام همزة ساكنة.

الثاني: كالأول، ولكن مع حذف همزة الوصل وعلى الوجه الأول يجوز له في البدل الأوجه الثلاثة، وعلى الوجه الثاني لا يجوز له في البدل إلا القصر.

ولأبي عمرو ثلاثة أوجه: الأول والثاني: كوجهي ورش.

الثالث: كالوجه الثالث لقالون.


9 - ونقل ردا عن نافع وكتابيه     بالإسكان عن ورش أصح تقبلا



أخبر أن نقل (ردءا) أي نقل حركة همزة هذه الكلمة إلى الدال مع حذف الهمزة ثابت عن نافع. فإذا وقف أبدل التنوين ألفا، وهذه الكلمة في سورة القصص، فأرسله معي ردءا يصدقني ، ثم أخبر أن إسكان الهاء من كلمة (كتابيه) ، بالحاقة، وإبقاء همزة إني ظننت محققة لورش كقراءة غيره أصح تقبلا من نقل حركة همزة (إني) إلى الهاء مع حذف الهمزة. وفي قوله (أصح تقبلا) إشارة إلى أن وجه نقل حركة الهمزة إلى الهاء وجه صحيح مقروء به أيضا فيكون له الوجهان.

وإنما كان الوجه الأول أصح لأن هاء " كتابيه " هاء سكت، والأصل فيها أن تكون ساكنة، [ ص: 110 ] ولكن الوجه الثاني صحيح لوروده عن أئمة القراءة. ولا يخفى أن هذين الوجهين في حال الوصل أي وصل " كتابيه " (بإني)

فائدة: اتفق أهل الأداء على أن في هاء ماليه بالحاقة حال وصلها بهاء (هلك) وجهين لسائر القراء: الإظهار، والإدغام، فيكون لورش هذان الوجهان، وقد علمت أن له في هاء " كتابيه " وجهين، حال وصلها (بإني) الإسكان، والنقل، إذا علمت هذا، فلتعلم أن من أسكن هاء " كتابيه " لورش ولم ينقل إليها حركة همزة (إني) فإنه يظهر هاء ماليه ، ومن نقل حركة الهمزة إلى هاء كتابيه لورش فإنه يدغم هاء ماليه في هاء (هلك)، فالوجهان لورش في هاء ماليه مفرعان على الوجهين له في هاء كتابيه .

فالإظهار مفرع على عدم النقل، والإدغام مفرع على النقل، والمراد بالإظهار هنا أن يسكت القارئ على هاء ماليه سكتة خفيفة من غير تنفس في حال وصلها بكلمة (هلك).

التالي السابق


الخدمات العلمية