الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2249 ) فصل : فإن بلغ الصبي ، أو عتق العبد بعرفة ، أو قبلها ، غير محرمين ، فأحرما ووقفا بعرفة ، وأتما المناسك ، أجزأهما عن حجة الإسلام . لا نعلم فيه خلافا ; لأنه لم يفتهما شيء من أركان الحج ، ولا فعلا شيئا منها قبل وجوبه .

                                                                                                                                            وإن كان البلوغ والعتق وهما محرمان ، أجزأهما أيضا عن حجة الإسلام . كذلك قال ابن عباس . وهو مذهب الشافعي ، وإسحاق . وقاله الحسن في العبد .

                                                                                                                                            وقال مالك : لا يجزئهما . واختاره ابن المنذر . وقال أصحاب الرأي : لا يجزئ العبد ، فأما الصبي ، فإن جدد إحراما بعد أن احتلم قبل الوقوف ، أجزأه ، وإلا فلا ; لأن إحرامهما لم ينعقد واجبا ، فلا يجزئ عن الواجب ، كما لو بقيا على حالهما .

                                                                                                                                            ولنا ، أنه أدرك الوقوف حرا بالغا فأجزأه ، كما لو أحرم تلك الساعة . قال أحمد : قال طاوس ، عن ابن عباس : إذا أعتق العبد بعرفة ، أجزأت عنه حجته ; فإن أعتق بجمع ، لم تجزئ عنه . وهؤلاء يقولون : لا تجزئ . ومالك يقوله أيضا ، وكيف لا يجزئه ، وهو لو أحرم تلك الساعة كان حجه تاما ، وما أعلم أحدا قال لا يجزئه إلا هؤلاء . والحكم فيما إذا أعتق العبد وبلغ الصبي بعد خروجهما من عرفة ، فعادا إليها قبل طلوع الفجر ليلة النحر ، كالحكم فيما إذا كان ذلك فيها ; لأنهما قد أدركا من الوقت ما يجزئ ولو كان لحظة .

                                                                                                                                            وإن لم يعودا ، أو كان ذلك [ ص: 105 ] قبل طلوع الفجر من يوم النحر ، لم يجزئهما عن حجة الإسلام ، ويتمان حجهما تطوعا ; لفوات الوقوف المفروض ، ولا دم عليهما ; لأنهما حجا تطوعا بإحرام صحيح من الميقات ، فأشبها البالغ الذي يحج تطوعا . فإن قيل : فلم لا قلتم إن الوقوف الذي فعلاه يصير فرضا ، كما قلتم في الإحرام الذي أحرم به قبل البلوغ يصير بعد بلوغه فرضا ؟ قلنا : إنما اعتددنا له بإحرامه الموجود بعد بلوغه ، وما قبل بلوغه تطوع لم ينقلب فرضا ، ولا اعتد له به ، فالوقوف مثله ، فنظيره أن يبلغ وهو واقف بعرفة ، فإنه يعتد له بما أدرك من الوقوف ، ويصير فرضا دون ما مضى .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية