الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى :

                                                                                                                                                                                                                                      [27] يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء .

                                                                                                                                                                                                                                      يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة القول الثابت : هو الكلمة الطيبة التي ذكرت صفتها العجيبة وهو الحق . و (بالقول) جوزوا تعلقه بـ (يثبت) و (آمنوا ) . والمعنى على الأول : ثبتهم بالبقاء على ذلك ، أو ثبتهم في سؤال القبر به ، وعلى الثاني فالباء سببية ، والمعنى : آمنوا بالتوحيد الخالص فوحدوه ونزهوه عما لا يليق بجنابه . و(في الحياة) متعلق بـ (يثبت) أو بـ (الثابت) كما قاله أبو البقاء . واقتصر الزمخشري وأتباعه على الأول حيث قال :

                                                                                                                                                                                                                                      القول الثابت الذي ثبت بالحجة والبرهان في قلب صاحبه وتمكن فيه فاعتقده واطمأنت إليه نفسه . وتثبيتهم به في الدنيا ، أنهم إذا فتنوا في دينهم لم يزلوا ، كما ثبت أصحاب الأخدود والذين نشروا بالمناشير ومشطت لحومهم بأمشاط الحديد ، وتثبيتهم في الآخرة أنهم إذا سئلوا عند تواقف الأشهاد عن معتقدهم ودينهم لم يتلعثموا ولم يبهتوا ولم تحيرهم أهوال الحشر . وقيل : معناه : الثبات عند سؤال القبر . فعن البراء بن عازب رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « المسلم إذا سئل في القبر شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، قال : فذلك قوله تعالى : يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت » رواه الشيخان وأهل السنن .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 3729 ] وعليه ، فتفسير الآخرة بالقبر ; لكون الميت انقطع بالموت عن أحكام الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال في أصحاب المثل الثاني :

                                                                                                                                                                                                                                      ويضل الله الظالمين أي : يخلق فيهم الضلال عن الحق الذي ثبت المؤمنين عليه حسب إرادتهم واختيارهم ، ووصفهم بالظلم لوضعهم الشيء في غير موضعه ، أو لظلمهم أنفسهم حيث بدلوا فطرة الله التي فطر الناس عليها : ويفعل الله ما يشاء أي : من التثبيت والإضلال حسبما تقتضيه حكمته البالغة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية