الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 221 ] ثم دخلت سنة ثلاث وستين وثلاثمائة

فمن الحوادث فيها:

[ تقليد أبي الحسن محمد بن صالح ابن أم شيبان قضاء القضاة ]

أنه تقلد أبو الحسن محمد بن صالح ابن أم شيبان الهاشمي قضاء القضاة ، صارفا لأبي محمد بن معروف ، وكان أبو محمد قد طولب ببيع دار أبي منصور الشرابي على أبي بكر الأصبهاني الحاجب ، فامتنع فقيل له: إن الوكيل الذي نصبه المطيع يبيع ذلك ، وليس يراد منك إلا سماع الشهود والإسجال بها ، فامتنع وأغلق بابه ، وسأل الإعفاء عن القضاء فخوطب أبو الحسن بن أم شيبان فامتنع ، فألزم فأجاب ، وشرط لنفسه شروطا منها: أنه لا يرتزق عن الحكم ، ولا يخلع عليه ، ولا يأمر ما لا يوجبه حكم ، ولا يشفع إليه في إنفاق حق وفعل ما لا يقتضيه شرع ، وقرر لكاتبه في كل شهر ثلاثمائة درهم ، ولحاجبه مائة وخمسون درهما ، وللفارض على بابه مائة درهم ، ولخازن دار الحكم والأعوان ستمائة درهم ، وركب إلى دار المطيع حتى سلم إليه عهده ، وركب من غد إلى المسجد الجامع ، فقرئ فيه عهده وتولى إنشاءه أبو منصور أحمد بن عبد الله الشيرازي ، وهو يومئذ صاحب ديوان الرسائل [ و ] نسخته:

[ ص: 222 ] بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما عهده عبد الله الفضل الإمام المطيع لله أمير المؤمنين إلى محمد بن صالح الهاشمي حين دعاه إلى ما يتولاه من القضاء من أهل مدينة المنصور ، والمدينة الشرقية من الجانب الغربي ، والجانب الشرقي ومدينة السلام ، والكوفة ، وشقي الفرات ، وواسط ، وكوخى ، وطريقي الفرات ودجلة ، وطرق خراسان ، وقرميسين ، وحلوان ، وديار مضر و [ ديار ] ربيعة ، وديار بكر ، والموصل ، والحرمين ، واليمن ، ودمشق ، وحمص ، وجند قنسرين ، والعواصم ، ومصر ، والإسكندرية ، وجندي فلسطين ، والأردن ، وأعمال ذلك كلها . وما يجري [ مع ] ذلك من الإشراف على ما يختاره لنقابة العباسيين بالكوفة ، وشقي الفرات ، وأعمال ذلك .

وما قلده إياه من قضاء القضاة ، وتصح أحوال الحكام واستشراف ما يجري عليه أمر الأحكام من سائر النواحي ، والأمصار ، والبلاد ، والأقطار التي تشتمل عليها المملكة ، وتنتهي إليها الدعوة ، وإقرار من يحمد هديه ، وطريقته ، واستبدال من يذم سمته وسجيته ، نظرا منه للكافة ، واحتياطا للخاصة والعامة ، وحنوا على الملة والذمة عن علم أنه المقدم في بيته ، وشرفه ، المبرز في عفافه وظلفه ، المزكى في دينه وأمانته ، الموصوف في ورعه ونزاهته ، المشار إليه بالعلم والحجى ، المجمع عليه في الحكم والنهى ، البعيد من [ ص: 223 ] الأدناس ، اللابس من النقاء أجمل لباس ، النقي الجيب ، المحبور بصفاء الغيب ، العالم بمصالح الدنيا ، العارف بما يفيد سلامة العقبى ، أمره بتقوى الله ، فإنها الجنة الواقية .

وأن يجعل كتاب الله في كل ما يعمل فيه رويته ، ويرتب عليه حكمه وقضيته إمامه الذي يفزع إليه ، وعماده الذي يعتمد عليه ، وأن يتخذ سنة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم مطلوبا يقصده ، ومثالا يتبعه ، وأن يراعي الإجماع ، وأن يقتدي بالأئمة الراشدين ، وأن يعمل اجتهاده فيما لا يوجد فيه كتاب ولا سنة ولا إجماع .

وأن يحضر مجلس قضائه من يستظهر بعلمه ورأيه ، وأن يسوي بين الخصمين إذا تقدما إليه في لحظه ولفظه ، ويوفي كلا منهما نصيبه من إنصافه وعدله ، حتى يأمن الضعيف من حيفه ، وييأس القوي من ميله ، وأمره أن يشرف على أعوانه وأصحابه ومن يعتمد عليه من أمنائه وأسبابه إشرافا يمنع من التخطي إلى السيرة المحظورة ، ويدفع عن الإشفاف إلى المكاسب المحظورة ، فذكر من هذا الجنس كلاما طويلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية