الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2758 باب من أعتق شركا له في عبد

                                                                                                                              وذكره النووي في : (كتاب العتق) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ص 135 ج 10 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [حدثنا يحيى بن يحيى، قال: قلت لمالك : حدثك نافع عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أعتق شركا له، في عبد، فكان له مال يبلغ ثمن العبد: قوم عليه قيمة العدل، فأعطى شركاءه: حصصهم، وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه: ما عتق".].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن ابن عمر " رضي الله عنهما " ; قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " من أعتق شركا له في عبد") .

                                                                                                                              "الشرك"بكسر الشين : الحصة والنصيب .

                                                                                                                              قال ابن دقيق العيد : هو في الأصل : مصدر .

                                                                                                                              [ ص: 526 ] وفي رواية : "نصيبا له " .

                                                                                                                              (فكان له مال يبلغ ثمن العبد : قوم عليه قيمة العدل) ، أي :

                                                                                                                              لا زيادة فيه ، ولا نقص .

                                                                                                                              (فأعطي شركاؤه حصصهم . وعتق عليه العبد. وإلا فقد عتق منه : ما عتق) .

                                                                                                                              هذا الحديث : رواه الجماعة ، والدارقطني أيضا .

                                                                                                                              وفي الباب : أحاديث في البخاري وغيره . ذكرها في "المنتقى" .

                                                                                                                              والحديث : يدل على أن السراية إلى نصيب الشريك ، إنما تثبت مع وجود مال للشريك المعتق ، يمكن منه : غرامة قيمة نصيب الشريك . وإذا لم يكن له مال : فلا سراية ، ويعتق نصيب المعتق ، ويبقى نصيب شريكه رقا .

                                                                                                                              وفي لفظ ، في الصحيحين وغيرهما : " من أعتق عبدا بينه وبين آخر : قوم عليه ، في ماله قيمة عدل ، لا وكس ، ولا شطط . ثم عتق عليه في ماله ، إن كان موسرا " . وفيهما ألفاظ مصرحة : بتقييد وقوع العتق ، بكون الشريك موسرا . وهي تفيد : أنه إذا كان معسرا ، فلا يعتق إلا نصيب الموقع للعتق . [ ص: 527 ] وثبت فيهما ، وفي غيرهما ، من حديث أبي هريرة يرفعه : " من أعتق شقيصا له من مملوكه ، فعليه خلاصه في ماله ، فإن لم يكن له مال : قوم المملوك قيمة عدل ، ثم استسعي في نصيب الذي لم يعتق ، غير مشقوق عليه " . ورواه الجماعة أيضا ، إلا النسائي . وسيأتي .

                                                                                                                              فأفاد هذا الحديث : أنه إذا كان الشريك الذي أوقع العتق ، معسرا :

                                                                                                                              أعتق العبد جميعه . ويسعى العبد في نصيب الشريك الآخر .

                                                                                                                              فالجمع بين هذه الأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرهما ، وما ورد في معناها ;

                                                                                                                              أن الشريك الموقع للعتق ، إن كان موسرا : ضمن قيمة نصيب الشريك من ماله .

                                                                                                                              وإن كان معسرا : فإن كان العبد قادرا على السعاية ، واختار ذلك ، عتق جميعه . ويسعى العبد . وإن كان لم يقدر على السعاية ، أو أبى أن يسعى ، فقد عتق منه ما عتق . وهو النصيب الذي أعتقه . ويبقى نصيب الآخر رقا .

                                                                                                                              وليس في هذا : ما يقتضي المنع منه ، من شرع ولا عقل . وإنما قلنا : [ ص: 528 ] إنه يعتبر رضاء العبد بالسعاية : جمعا بين حديث السعاية ، وبين حديث الباب . فإذا رضي العبد ببقاء بعضه رقا ، لم يجبره على خلاص نفسه بالسعاية عليه ، لأن ذلك أمر ، نفعه له . فإذا اختار تركه : لم يجبر عليه ، كما تدل عليه قواعد الشرع .

                                                                                                                              ولا سيما وهو يتمسك ههنا : بسنة صحيحة ثابتة . وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم : " وإلا فقد عتق منه : ما عتق " . ومن شك في ثبوتها : فشكه مدفوع مرفوع ، بترجيح الأئمة ، من الرواة لثبوتها ورفعها .

                                                                                                                              وقد أوضح الكلام فيما قاله الحفاظ، في زيادة : " وإلا فقد عتق منه ، ما عتق " ، وفي زيادة ذكر الاستسعاء للعبد : شيخنا العلامة الشوكاني "رحمه الله " ، في شرحه للمنتقى . فراجعه .




                                                                                                                              الخدمات العلمية