الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3154 باب القرعة في العتق

                                                                                                                              وقال النووي في الجزء الرابع : (باب صحبة المماليك) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ص 139 - 140 ج11 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن عمران بن حصين، أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته، لم يكن له مال غيرهم. فدعا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجزأهم أثلاثا. ثم أقرع بينهم. فأعتق اثنين وأرق أربعة. وقال له قولا شديدا .].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن عمران بن حصين " رضي الله عنهما " ; أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته ، لم يكن له مال غيرهم . فدعا بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجزأهم) بتشديد الزاي ، وتخفيفها . [ ص: 532 ] لغتان مشهورتان ، ذكرهما ابن السكيت وغيره .

                                                                                                                              ومعناه : قسمهم : (أثلاثا ، ثم أقرع بينهم ، فأعتق اثنين وأرق أربعة . وقال له قولا شديدا) أي في شأنه . كراهية لفعله وتغليظا عليه .

                                                                                                                              وقد جاء في رواية أخرى تفسيره : (قال : "لو علمنا ، ما صلينا عليه") .

                                                                                                                              وهذا محمول ، على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحده ، كان يترك الصلاة عليه ، تغليظا وزجرا لغيره : على مثل فعله .

                                                                                                                              وأما أصل الصلاة عليه : فلا بد من وجودها ، من بعض الصحابة .

                                                                                                                              وفي رواية : (أن رجلا من الأنصار ، أوصى عند موته : فأعتق ستة مملوكين) .

                                                                                                                              قال النووي : وفي هذا الحديث : دلالة لمذهب مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وداود ، وابن جرير ، والجمهور : في إثبات القرعة ، في العتق ونحوه . وأنه إذا أعتق عبيدا في مرض موته ، أو أوصى بعتقهم ، " ولا يخرجون من الثلث ": أقرع بينهم . فيعتق ثلثهم بالقرعة .

                                                                                                                              وقال أبو حنيفة : القرعة باطلة ، لا مدخل لها في ذلك . بل يعتق من كل واحد : قسطه . ويستسعى في الباقي ، لأنها خطر . قال : وهذا مردود بهذا الحديث الصحيح ، وأحاديث كثيرة . [ ص: 533 ] قال : وقوله : " فأعتق اثنين وأرق أربعة ": صريح في الرد على أبي حنيفة . وقد قال بقوله : الشعبي ، والنخعي ، وشريح ، والحسن . وحكي أيضا عن ابن المسيب . انتهى .

                                                                                                                              قلت : ولعل الوجه في ذلك : عدم بلوغ الحديث إليه " رضي الله عنه " ، وإليهم . وكم من أحاديث لم تقف عليها الأئمة ، بل الصحابة والتابعون.. فما ظنك بما عداهم . وإنما نشأ الخلاف بين الأمة من ههنا . لكن الشأن فيمن بلغه هذا الحديث ، ثم لم يقل به جمودا على المذهب ، وتقليدا لأهل الرأي . فما هم ورب الكعبة والبيت العتيق ! على خير .

                                                                                                                              والقرعة ثابتة في هذه الشريعة ، ثبوتا لا سبيل إلى إنكاره . وهذا شرع واضح ، جاء به الذي جاءنا بما شرعه الله عز وجل لنا . وليس بيد من أنكر العمل بالقرعة : إلا التشبث بالهباء تأثيرا لآراء الرجال على الشريعة الواضحة ، التي ليلها كنهارها . والرجوع إلى القرعة ، في مثل هذا : ثابت بالفحوى . ومن ترك العمل بهذه السنة . الواضحة ، زاعما أنها مخالفة للأصول : فليس لهذه الأصول وجود . [ ص: 534 ] وليست إلا مجرد قواعد ، لم تدل عليها رواية ، ولا شهدت لها دراية . على أن الرجوع إلى القرعة والعمل بها : قد وقع من الشارع ، في مواضع أخر;

                                                                                                                              من ذلك : أنه كان إذا أراد سفرا : أقرع بين نسائه .

                                                                                                                              ومن ذلك : ما فعله علي بن أبي طالب ، في الجماعة المتنازعين ، في ولد الأمة المشتركة بينهم. فقرره صلى الله عليه وآله وسلم واستحسنه .

                                                                                                                              وبهذا ، عرفت أن القرعة : شرع ثابت واضح ، تنقطع بها الشبهة ، وتثبت بها الحقوق . والله أعلم .




                                                                                                                              الخدمات العلمية