الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون

                                                                                                                                                                                                استثنى الشعراء المؤمنين الصالحين الذين يكثرون ذكر الله وتلاوة القرآن ، وكان ذلك أغلب عليهم من الشعر ، وإذا قالوا شعرا قالوه في توحيد الله والثناء عليه ، والحكمة والموعظة ، والزهد والآداب الحسنة ، ومدح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والصحابة وصلحاء الأمة ، وما لا بأس به من المعاني التي لا يتلطخون فيها بذنب ولا يتلبسون بشائنة ولا منقصة ، وكان هجاؤهم على سبيل الانتصار ممن يهجوهم . قال الله تعالى : لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم [النساء : 148 ] ، وذلك من غير اعتداء ولا زيادة على ما هو جواب لقوله تعالى : فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم [البقرة : 194 ] ، وعن عمرو بن عبيد : أن رجلا من العلوية قال له : إن صدري ليجيش بالشعر ، فقال : فما يمنعك منه فيما لا بأس به ؟ والقول فيه : أن الشعر باب من الكلام ، فحسنه كحسن الكلام ، وقبيحه كقبيح الكلام . وقيل : المراد بالمستثنين : عبد الله بن رواحة ، وحسان بن ثابت ، والكعبان : كعب بن مالك ، وكعب بن زهير ؛ والذين كانوا ينافحون عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ويكافحون هجاة قريش . وعن كعب بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : "اهجهم ؛ فوالذي نفسي بيده لهو أشد عليهم من النبل " ، وكان يقول لحسان : [ ص: 427 ] "قل وروح القدس معك " . ختم السورة بآية ناطقة بما لا شيء أهيب منه وأهول ، [ ص: 428 ] ولا أنكى لقلوب المتأملين ولا أصدع لأكباد المتدبرين . وذلك قوله : "وسيعلم" وما فيه من الوعيد البليغ ، وقوله : الذين ظلموا وإطلاقه . وقوله : أي منقلب ينقلبون وإبهامه ، وقد تلاها أبو بكر لعمر -رضي الله عنهما- حين عهد إليه . وكان السلف الصالح يتواعظون بها ويتناذرون شدتها . وتفسير الظلم بالكفر تعليل . ولأن تخاف فتبلغ الأمن : خير من أن تأمن فتبلغ الخوف . وقرأ ابن عباس : "أي منفلت ينفلتون " ، ومعناها : إن الذين ظلموا يطمعون أن ينفلتوا من عذاب الله ، وسيعلمون أن ليس لهم وجه من وجوه الانفلات وهو النجاة : اللهم اجعلنا ممن جعل هذه الآية بين عينيه فلم يغفل عنها ؛ وعلم أن من عمل سيئة فهو من الذين ظلموا ، والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                                                                                قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - : "من قرأ سورة الشعراء كان له من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بنوح وكذب به وهود وشعيب وصالح وإبراهيم وبعدد من كذب بعيسى وصدق بمحمد عليهم الصلاة والسلام " .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية