الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى: لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها الآية (19) :

ذكر ابن عباس في هذه الآية أنه إذا مات الرجل، كان أولياؤه أحق بامرأته من ولي نفسها، إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاءوا زوجوها، وإن شاءوا لم يزوجوها، فنزلت هذه الآية في ذلك، فكانوا يورثون وارثة المال، وكان من الطاعة منهم أن يلقي أقرب الناس إليه عليها ثوبا فيرث نكاحها، فمات ابن عامر، زوج كبشة بنت عامر، فجاء ابن [ ص: 380 ] عامر من غيرها، فألقى عليها ثوبا فلم يقربها ولم ينفق عليها، فشكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى:

لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها .


وقوله: ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن .

أمر للأزواج بتخلية سبيلها، إذا لم يكن فيها حاجة، فلا يضر بها في إمساكها حتى تضجر، فتفتدي ببعض مالها.

كذا فسره ابن عباس.

وقال الحسن: هو نهي لولي الزوج الميت أن يمنعها من التزويج على ما كان عليه أمر الجاهلية.

وقوله تعالى: إلا أن يأتين بفاحشة مبينة .

يحتمل زناها الذي يجوز للرجل من أجله أن يهجرها ويزجرها، ويجوز أن يكون نشوزها، فهذا معنى الآية، وشرحنا أحكام الخلع في سورة البقرة.

وذكر عطاء الخراساني أن الرجل كان إذا أصابت امرأته فاحشة، أخذ ما ساق إليها وأخرجها، فنسخ ذلك.

وقال زيد بن أسلم في هذه الآية: لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها : كان أهل يثرب إذا مات الرجل منهم في الجاهلية، ورث [ ص: 381 ] امرأته من يرث ماله، فكان يعضلها حتى يتزوجها أو يزوجها من أراد، فكان أهل تهامة يسيء الرجل صحبة امرأته حتى يطلقها، ويشترط عليها ألا تنكح من أراد حتى تفتدي منه ببعض ما أعطاها، فنهى الله المؤمنين عن ذلك.

قال زيد: وأما قوله: إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ، فإنه كان في الزنا ثلاثة أنحاء وقال:

ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة ، فلم ينته الناس.

ثم نزل: واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم إلى قوله: أو يجعل الله لهن سبيلا .

كانت المرأة الثيب إذا زنت فشهد عليها أربعة، عضلت فلم يتزوجها أحد، فهي التي قال الله عز وجل:

" ولا تعضلوهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " .

قال زيد: ثم نزلت.

واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ، فهذين البكرين اللذين لم يتزوجا، فآذوهما أن يعرفا بذنبهما فيقال: يا زان، يا زانية، حتى يرى منهما توبة، حتى نزل السبيل فقال:

الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ، فهذا للبكرين، فقال زيد: وكان للثيب الرجم.

وفي الذي ذكره زيد جواب عن قول القائل: إن قوله: "فآذوهما" [ ص: 382 ] يجب أن يكون الحبس، فإن التعزير إذا أقيم وجب الإعراض عنه، فإنه قال:

معنى الإيذاء له أن يعرف بالفاحشة تعييرا فيقال: يا زان، يا زانية، إلى أن يتوبا فيسقط التعيير.

قوله تعالى: وعاشروهن بالمعروف .

معناه مثل معنى قوله: فإمساك بمعروف ، وذلك توفية حقها من المهر والنفقة، وأن لا يعبس في وجهها بغير ذنب، وأن يكون مطلقا في القول، لا فظا ولا غليظا، ولا مظهر ميل إلى غيرها.

قوله تعالى: فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا .

بيان استحباب الإمساك بالمعروف، وإن كان على خلاف هوى النفس.

وفيه دليل على أن الطلاق مكروه.

التالي السابق


الخدمات العلمية