الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( فاعلم ) أن الراء لا تخلو من أن تكون [ ص: 92 ] متحركة أو ساكنة ( فالمتحركة ) لا تخلو من أن تكون مفتوحة أو مضمومة أو مكسورة ، فالمفتوحة تكون أول الكلمة ووسطها وآخرها ، وهي في الأحوال الثلاثة تأتي بعد متحرك وساكن ، والساكن يكون ياء وغير ياء ( فمثالها ) أول الكلمة بعد الفتح ( ورزقكم ، وراعنا ، وقال ربكم ) ، وبعد الكسر ( برسولهم ، لحكم ربك ) ، وبعد الضم ( رسل ربنا ) ، وبعد الساكن الياء ( في ريب ) ، وغير الياء ( بل ران ، ولا رطب ، و على رجعه ، و الراجفة ) ، ومثالها وسط الكلمة بعد الفتح ( فرقنا ، و عرفوا ، و تراض ) ، وبعد الضم ( غرابا ، و فراتا ، و كبرت ، وفرادى ) ، وبعد الكسر ( فراشا ، وسراجا ، و كراما ، و دراستهم ، قردة ، الآخرة ، وازرة ، صابرة ، مسفرة ، والذاكرات ، و لأستغفرن ، ولا يشعرن ، و بطرت ، وأحضرت ) ، وبعد الساكن الياء ( حيران ، و الخيرات ، و خيرا ) ، وغيره ونحو ( صغيرة ، و كبيرة ، و مصيركم ) ، وغير الياء عن ضم ( والعمرة ، و غفرانك ، و سورة ، و يورث ) ، وعن فتح ( فأغرينا ، و أجرموا ، و زهرة ، والحجارة ، و مباركة ) ، وعن كسر ( إكراه ، والإكرام ، و إجرامي ، و إصرهم ، و إخراجا ، و مدرارا ) .

                                                          ومثلها آخر الكلمة بعد الفتح منونة ( وسفرا ، و بشرا ، و نفرا ، و محضرا ) ، وغير منونة ( البقر ، و الحجر ، والقمر ، و لا وزر ) ، وبعد الضم منونة ( نشورا ، وسرورا ، و نذرا ) وغير منونة ( كبر ، و ليفجر ) ، وبعد الكسر منونة ( شاكرا ، و حاضرا ، و ظاهرا ، و مبصرا ، و منتصرا ، و مستقرا ) ، وغير منونة ( كبائر ، و بصائر ، و أكابر ، و الحناجر ، فلا ناصر ، و ليغفر ، وخسر ) ، وبعد الساكن الياء منونة ( خيرا ، و طيرا ، و سيرا ) ونحو ( قديرا ، و خبيرا ، و كبيرا ، و كثيرا ، و تقديرا ، و تطهيرا ، و منيرا ، و مستطيرا ) ، وغير منونة ( الخير ، والطير ، وغير ، و لا ضير ) ، ونحو ( الفقير ، والحمير ، والخنازير ) ، وبعد الساكن غير الياء عن فتح منونة ( أجرا ، وبدارا ) ، وغير منونة ( وفار ، واختار ، وخر ) ، وعن ضم ( عذرا ، و غفورا ، و قصورا ) ، وغير منونة ( فمن اضطر ) ، وعن كسر منونة ( ذكرا ، و سترا ، و وزرا ، و إمرا ، وحجرا ، وصهرا ) وليس في

                                                          [ ص: 93 ] القرآن غير هذه الستة . وغير منونة ( السحر ، و الذكر ، والشعر ، و وزر أخرى ، و ذكرك ، و السر ، و البر ) .

                                                          ( فهذه ) أقسام الراء المفتوحة بجميع أنواعها . وأجمعوا على تفخيمها في هذه الأقسام كلها إلا أن تقع بعد كسرة ، أو ياء ساكنة والراء مع ذلك وسط كلمة ، أو آخرها فإن الأزرق له فيها مذهب خالف سائر القراء ، وهو الترقيق مطلقا واستثنى من ذلك أصلين .

                                                          الأول : أن لا يقع بعد الراء حرف استعلاء . فمتى وقع بعد الراء حرف استعلاء فإنه يفخمها كسائر القراء ووقع ذلك بعد المتوسطة في أربعة ألفاظ ، وهي ( صراط ) كيف جاء رفعا ونصبا وجرا ، منونا وغير منون ؛ نحو هذا صراط علي ، اهدنا الصراط ، إلى صراط مستقيم ، وهذا صراط ربك مستقيما ، و ( فراق ) وهو في الكهف والقيامة .

                                                          الثاني : إن تكرر الراء بعد ووقع ذلك في ثلاث كلمات ضرارا . و فرارا . و الفرار ، وكذلك يرققها إذا حال بين الكسرة و بينها ساكن فإنه يرققها أيضا بشروط أربعة : أحدها أن لا يكون الفاصل الساكن حرف استعلاء ، ولم يقع من ذلك سوى أربعة أحرف الأول الصاد في قوله تعالى : إصرا في البقرة إصرهم في الأعراف مصرا منونا في البقرة ، وغير منون في يونس موضع ، وفي يوسف موضعان . وفي الزخرف موضع . الثاني الطاء في قوله قطرا في الكهف فطرت الله في الروم .

                                                          الثالث القاف : وهو وقرا في الذاريات . وقد فخمها الأزرق عند هذه الثلاثة الأحرف في المواضع المذكورة ، بلا خلاف . والحرف الرابع الخاء في إخراج حيث وقع ، ولم يعتبره حاجزا وأجراه مجرى غيره من الحروف المستقلة فرقق الراء عنده من غير خلاف . الشرط الثاني أن لا يكون بعده حرف استعلاء ووقع ذلك في كلمتين إعراضا في النساء و إعراضهم في الأنعام ، واختلف عنه ( الإشراق ) في ص من أجل كسر القاف كما سيأتي . والشرط الثالث أن لا تكرر الراء في الكلمة فإن تكرر فإنه يفخمها . والذي في القرآن من ذلك مدرارا وإسرارا والشرط الرابع أن لا تكون الكلمة أعجمية والذي في القرآن من

                                                          [ ص: 94 ] ذلك إبراهيم . و عمران . و إسرائيل ، ولم يختلف في تفخيم الراء من هذه الألفاظ المذكورة ، وقد اختلف الرواة بعد ذلك عن الأزرق فيما تقدم من هذه الأقسام في أصل مطرد وألفاظ مخصوصة .

                                                          ( فالأصل المطرد ) أن يقع شيء من الأقسام المذكورة منونا فذهب بعضهم إلى عدم استثنائه مطلقا على أي وزن كان وسواء كان بعد كسرة مجاورة ، أو مفصولة بساكن صحيح مظهر ، أو مدغم ، أو بعد ياء ساكنة . فالذي بعد كسرة مجاورة ثمانية عشر حرفا ، وهي شاكرا ، و سامرا ، و صابرا ، و ناصرا ، و حاضرا ، و طاهرا ، و غافر ، و طائر ، و فاجرا ، و مدبرا ، و مبصرا ، و مهاجرا ، و مغيرا ، ومبشرا ، و منتصرا ، و مقتدرا ، و خضرا ، و عاقرا والمفصول بساكن صحيح مظهر ومدغم ثمانية أحرف ، وهي ذكرا ، و سترا ، و وزرا ، و أمرا ، و حجرا ، وصهرا ، و مستقرا ، و سرا .

                                                          والذي بعد ياء ساكنة فتأتي الياء حرف لين وحرف مد ولين فبعد حرف لين في ثلاثة أحرف ، وهي خيرا ، و طيرا ، و سيرا ، وبعد حرف المد واللين منه ما يكون على وزن فعيلا وجملته اثنان وعشرون حرفا ، وهي قديرا ، و خبيرا ، و بصيرا ، و كبيرا ، و كثيرا ، و بشيرا ، و نذيرا ، و صغيرا ، و وزيرا ، و عسيرا ، وحريرا ، وأسيرا .

                                                          ومنه ما يكون على غير ذلك الوزن وجملته ثلاثة عشر حرفا ، وهي تقديرا ، و تطهيرا ، و تكبيرا ، و تبذيرا ، و تدميرا ، و تتبيرا ، و تفسيرا ، و قوارير ، و قمطريرا ، و زمهريرا ، و منيرا ، و مستطيرا فرققوا ذلك كله في الحالين وأجروه مجرى غيره من المرقق . وهذا مذهب أبي طاهر بن خلف صاحب العنوان ، وشيخه عبد الجبار صاحب المجتبى ، وأبي الحسن بن غلبون صاحب التذكرة ، وأبي معشر الطبري صاحب التلخيص ، وغيرهم . وهو أحد الوجهين في الكافي ، وبه قرأ الداني على شيخه أبي الحسن ، وهو القياس .

                                                          وذهب آخرون إلى استثناء ذلك كله وتفخيمه من أجل التنوين الذي لحقه ، ولم يستثنوا من ذلك شيئا ، وهو مذهب أبي طاهر ابن هاشم وأبي الطيب

                                                          [ ص: 95 ] عبد المنعم بن عبيد الله وأبي القاسم الهذلي ، وغيرهم وحكاه الداني عن أبي طاهر وعبد المنعم وجماعة . وذهب الجمهور إلى التفصيل فاستثنوا ما كان بعد ساكن صحيح مظهر ، وهو الكلمات الست ذكرا و سترا وأخواته ، ولم يستثنوا المدغم ، وهو : سرا و مستقرا ؛ من حيث إن الحرفين في الإدغام كحرف واحد ، إذ اللسان يرتفع بهما ارتفاعة واحدة من غير مهلة ، ولا فرجة ، فكأن الكسرة قد وليت الراء في ذلك ، وهذا مذهب الحافظ أبي عمرو الداني وشيخيه أبي الفتح والخاقاني ، وبه قرأ عليهما ، وكذلك هو مذهب أبي عبد الله بن سفيان وأبي العباس المهدوي وأبي عبد الله بن شريح وأبي علي بن بليمة وأبي محمد مكي وأبي القاسم بن الفحام والشاطبي ، وغيرهم . إلا أن بعض هؤلاء استثنى من المفصول بالساكن الصحيح صهرا . فرققه من أجل إخفاء الهاء كابن شريح والمهدوي وابن سفيان وابن الفحام ، ولم يستثنه الداني ، ولا ابن بليمة ، ولا الشاطبي ففخموه ، وذكر الوجهين جميعا مكي .

                                                          وذهب آخرون إلى ترقيق كل منون ، ولم يستثنوا ذكرا وبابه فمنهم أبو الحسن طاهر بن غلبون ، وغيره ، وبه قرأ الداني عليه وأجمعوا على استثناء : مصرا ، و إصرا ، و قطرا ، و وزرا ، و وقرا من أجل حرف الاستعلاء .

                                                          ( تنبيه ) : قول أبي شامة : ولا يظهر لي فرق بين كون الراء في ذلك مفتوحة ، أو مضمومة ، بل المضمومة أولى بالتفخيم لأن التنوين حاصل مع ثقل الضم ، قال : وذلك كقوله تعالى : هذا ذكر انتهى .

                                                          ( قلت ) : وقد أخذ الجعبري هذا منه مسلما فغلط الشاطبي في قوله : وتفخيمه ذكرا و سترا وبابه - حتى غير هذا البيت فقال : ولو قال مثل :


                                                          كذكرا رقيق للأقل وشاكر خبير لأعيان وسرا تعدلا



                                                          لنص على الثلاثة فسوى بين ذكر المنصوب ، وذكر المرفوع ، وتمحل لإخراج ذلك من كلام الشاطبي فقال : ومثالا الناظم دلا على العموم فذكر مبارك مثالا للمضموم ، ونصبها لإيقاع المصدر عليها ، ولو حكاها لأجاد انتهى . وهذا كلام من لم

                                                          [ ص: 96 ] يطلع على مذاهب القوم في اختلافهم في ترقيق الراءات وتخصيصهم الراء المفتوحة بالترقيق دون المضمومة وأن من مذهبه ترقيق المضمومة لم يفرق بين ذكر ، و بكر ، و سحر ، و شاكر ، و قادر ، و مستمر ، و يغفر ، و يقدر كما سيأتي بيانه - والله أعلم - .

                                                          ثم اختلف هؤلاء الذين ذهبوا إلى التفصيل فيما عدا ما فصل بالساكن الصحيح فذهب بعضهم إلى ترقيقه في الحالين سواء كان بعد ياء ساكنة نحو خبيرا ، و بصيرا ، و خيرا وسائر أوزانه ، أو بعد كسرة مجاورة نحو شاكرا و خضرا وسائر الباب . وهذا مذهب أبي عمرو الداني وشيخيه أبي الفتح وابن خاقان ، وبه قرأ عليهما ، وهو أيضا مذهب أبي علي بن بليمة وأبي القاسم بن الفحام وأبي القاسم الشاطبي ، وغيرهم ، وهو أحد الوجهين في الكافي والتبصرة ، وذهب الآخرون إلى تفخيم ذلك وصلا من أجل التنوين والوقف عليه بالترقيق كابن سفيان ، والمهدوي . وهو الوجه الثاني في الكافي ، وذكره في التجريد عن شيخه عبد الباقي عن قراءته على أبيه في أحد الوجهين في الوقف ، وانفرد صاحب التبصرة في الوجه الثاني بترقيق ما كان وزنه فعيلا في الوقف وتفخيمه في الوصل ، وذكر أنه مذهب شيخه أبي الطيب .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية