الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم في الآخرة هم الأخسرون

                                                                                                                                                                                                فإن قلت : كيف أسند تزيين أعمالهم إلى ذاته ، وقد أسنده إلى الشيطان في قوله : وزين لهم الشيطان [النمل : 24 ] ؟ قلت : بين الإسنادين فرق ، وذلك أن إسناده إلى الشيطان حقيقة ، وإسناده إلى الله عز وجل مجاز ، وله طريقان في علم البيان . أحدهما : [ ص: 431 ] أن يكون من المجاز الذي يسمى الاستعارة . والثاني : أن يكون من المجاز الحكمي ، فالطريق الأول : أنه لما متعهم بطول العمر وسعة الرزق . وجعلوا إنعام الله بذلك عليهم وإحسانه إليهم ذريعة إلى اتباع شهواتهم وبطرهم وإيثارهم الروح والترفة ، ونفارهم عما يلزمهم فيه التكاليف الصعبة والمشاق المتعبة ، فكأنه زين لهم بذلك أعمالهم . وإليه أشارت الملائكة صلوات الله عليهم في قولهم : ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر والطريق الثاني : أن إمهاله الشيطان وتخليته حتى يزين لهم ملابسة ظاهرة للتزيين ، فأسند إليه لأن المجاز الحكمي يصححه بعض الملابسات . وقيل : هي أعمال الخير التي وجب عليهم أن يعملوها ، زينها لهم الله فعمهوا عنها وضلوا ، ويعزى إلى الحسن . والعمه : التحير والتردد ، كما يكون حال الضال عن الطريق . وعن بعض الأعراب : أنه دخل السوق وما أبصرها قط ، قال : رأيت الناس عمهين ، أراد : مترددين في أعمالهم وأشغالهم سوء العذاب القتل والأسر يوم بدر . و "الأخسرون" أشد الناس خسرانا ؛ لأنهم لو آمنوا لكانوا من الشهداء على جميع الأمم ، فخسروا ذلك مع خسران النجاة وثواب الله .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية