الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وتصريف الرياح .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : وتصريف الرياح قال : إذا شاء جعلها رحمة، لواقح للسحاب ونشرا بين يدي رحمته، وإذا شاء جعلها عذابا، ريحا عقيما لا تلقح .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي بن كعب قال : كل شيء في القرآن من الرياح [ ص: 111 ] فهي رحمة، وكل شيء في القرآن من الريح فهو عذاب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، والحاكم وصححه، والبيهقي في «شعب الإيمان»، عن أبي بن كعب قال : لا تسبوا الريح؛ فإنها من نفس الرحمن ، قوله : وتصريف الرياح والسحاب المسخر ولكن قولوا : اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، ونعوذ بك من شرها وشر ما أرسلت به .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال : الريح من روح الله، فإذا رأيتموها فاسألوا من خيرها وتعوذوا بالله من شرها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عبدة، عن أبيها قال : إن من الرياح رحمة، ومنها رياح عذاب، فإذا سمعتم الرياح فقولوا : اللهم اجعلها رياح رحمة ولا تجعلها رياح عذاب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ في «العظمة»، عن ابن عباس قال : الماء والريح جندان من جنود الله، والريح جند الله الأعظم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن مجاهد قال : الريح لها جناحان وذنب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو عبيد ، وابن أبي الدنيا في كتاب «المطر» ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ في «العظمة»، عن ابن عمرو قال : الرياح ثمان؛ أربع منها [ ص: 112 ] رحمة، وأربع عذاب؛ فأما الرحمة؛ فالناشرات، والمبشرات، والمرسلات، والذاريات، وأما العذاب؛ فالعقيم، والصرصر، وهما في البر، والعاصف، والقاصف، وهما في البحر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس قال : الرياح ثمان؛ أربع رحمة، وأربع عذاب، الرحمة؛ المنتشرات والمبشرات والمرسلات والرخاء ، والعذاب؛ العاصف والقاصف، وهما في البحر، والعقيم والصرصر وهما في البر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن عيسى بن أبي عيسى الخياط قال : بلغنا أن الرياح سبع ؛ الصبا والدبور والجنوب والشمال والنكباء والخروق وريح القائم ، فأما الصبا فتجيء من المشرق، وأما الدبور فتجيء من المغرب، وأما الجنوب فتجيء عن يسار القبلة، وأما الشمال فتجيء عن يمين القبلة، وأما النكباء فبين الصبا والجنوب، وأما الخروق فبين الشمال والدبور، وأما ريح القائم فأنفاس الخلق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن الحسن قال : جعلت الرياح على الكعبة، فإذا أردت أن تعلم ذلك فأسند ظهرك إلى باب الكعبة؛ فإن الشمال عن شمالك، وهي مما يلي الحجر، والجنوب عن يمينك، وهو مما يلي الحجر الأسود، والصبا [ ص: 113 ] مقابلك، وهي مستقبل باب الكعبة، والدبور من دبر الكعبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن حسين بن علي الجعفي قال : سألت إسرائيل بن يونس : عن أي شيء سميت الريح؟ قال : على القبلة ؛ شماله الشمال، وجنوبه الجنوب، والصبا : ما جاء من قبل وجهها، والدبور : ما جاء من خلفها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ضمرة بن حبيب قال : الدبور الريح الغربية، والقبول الشرقية، والشمال الجنوبية، واليمان القبلية، والنكباء تأتي من الجوانب الأربع .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن عباس قال : الشمال : ما بين الجدي ومطلع الشمس، والجنوب : ما بين مطلع الشمس وسهيل، والصبا : ما بين مغرب الشمس إلى الجدي، والدبور : ما بين مغرب الشمس إلى سهيل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الجنوب من ريح الجنة" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب «السحاب» ، وابن جرير ، وأبو الشيخ في [ ص: 114 ] «العظمة»، وابن مردويه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ريح الجنوب من الجنة، وهي من اللواقح، وفيها منافع للناس، والشمال من النار، تخرج فتمر بالجنة، فتصيبها نفحة من الجنة، فبردها من ذلك" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وإسحاق بن راهويه، في «مسنديهما»، والبخاري في «تاريخه»، والبزار، وأبو الشيخ ، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن الله خلق في الجنة ريحا بعد الريح بسبع سنين، من دونها باب مغلق، وإنما يأتيكم الريح من خلل ذلك الباب، ولو فتح ذلك الباب لأذرت ما بين السماء والأرض، وهي عند الله الأزيب، وعندكم الجنوب" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن عباس قال : الجنوب سيدة الأرواح، واسمها عند الله الأزيب، ومن دونها سبعة أبواب، وإنما يأتيكم منها ما يأتيكم من خللها، ولو فتح منها باب واحد لأذرت ما بين السماء والأرض .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن عباس قال : ما راحت جنوب قط إلا سال واد من ماء، رأيتموه أو لم تروه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن قيس بن عبادة قال : الشمال ملح الأرض، ولولا [ ص: 115 ] الشمال لا تنبت الأرض .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في «زوائد الزهد»، وأبو الشيخ في «العظمة»، عن كعب قال : لو احتبست الريح عن الناس ثلاثة أيام لأنتن ما بين السماء والأرض .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عبد الله بن المبارك قال : إن للريح جناحا، وإن القمر يأوي إلى غلاف من الماء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن عثمان الأعرج قال : إن مساكن الرياح تحت أجنحة الكروبيين حملة العرش ، فتهيج فتقع بعجلة الشمس ، فتعين الملائكة على جرها، ثم تهيج من عجلة الشمس، فتقع في البحر، ثم تهيج في البحر، فتقع برءوس الجبال، ثم تهيج من رءوس الجبال، فتقع في البر، فأما الشمال فإنها تمر بجنة عدن، فتأخذ من عرف طيبها، ثم تأتي الشمال حدها من كرسي بنات نعش إلى مغرب الشمس، وتأتي الدبور حدها من مغرب الشمس إلى مطلع سهيل، وتأتي الجنوب حدها من مطلع سهيل إلى مطلع الشمس، وتأتي الصبا حدها من مطلع الشمس إلى كرسي بنات نعش، فلا تدخل هذه في حد هذه، ولا هذه في [ ص: 116 ] حد هذه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الشافعي ، وابن أبي شيبة ، وأحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، والبيهقي في "سننه"، عن أبي هريرة قال : أخذت الناس ريح بطريق مكة وعمر حاج، فاشتدت، فقال عمر لمن حوله : ما بلغكم في الريح؟ فقلت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "الريح من روح الله، تأتي بالرحمة وبالعذاب، فلا تسبوها، وسلوا الله من خيرها، وعوذوا بالله من شرها" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الشافعي، عن صفوان بن سليم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تسبوا الريح، وعوذوا بالله من شرها" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي في «شعب الإيمان»، عن ابن عباس ، أن رجلا لعن الريح، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تلعن الريح، فإنها مأمورة، وإنه من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الشافعي، وأبو الشيخ ، والبيهقي في «المعرفة»، عن ابن عباس قال : ما هبت ريح قط إلا جثا النبي صلى الله عليه وسلم على ركبتيه وقال : "اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا، اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا" .

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن [ ص: 117 ] عباس : والله، إن تفسير ذلك في كتاب الله : فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا ، و أرسلنا عليهم الريح العقيم ، وقال : وأرسلنا الرياح لواقح . وأرسلنا الرياح مبشرات .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الترمذي، والنسائي ، وعبد الله بن أحمد في «زوائد المسند»، عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تسبوا الريح، فإنها من روح الله تعالى، وسلوا الله خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وتعوذوا بالله من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، عن مجاهد قال : هاجت ريح فسبوها ، فقال ابن عباس : لا تسبوها؛ فإنها تجيء بالرحمة، وتجيء بالعذاب، ولكن قولوا : اللهم اجعلها رحمة، ولا تجعلها عذابا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وأبو الشيخ ، عن ابن عمر أنه كان إذا عصفت الريح فدارت يقول : شدوا التكبير، فإنها مذهبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تسبوا الليل والنهار، ولا الشمس، ولا القمر، ولا الريح؛ فإنها تبعث [ ص: 118 ] عذابا على قوم، ورحمة على آخرين" .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية