الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون . ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: أولم يسيروا في الأرض أي: أولم يسافروا فينظروا مصارع الأمم قبلهم كيف أهلكوا بتكذيبهم فيعتبروا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وأثاروا الأرض أي: قلبوها للزراعة، ومنه قيل للبقرة: مثيرة . وقرأ أبي بن كعب ، ومعاذ القارئ، وأبو حيوة: " وآثروا الأرض " بمد الهمزة وفتح الثاء مرفوعة الراء، وعمروها أكثر مما عمروها أي: أكثر من عمارة أهل مكة، لطول أعمار أولئك وشدة قوتهم وجاءتهم رسلهم بالبينات أي: بالدلالات فما كان الله ليظلمهم بتعذيبهم على غير ذنب [ ص: 291 ] ولكن كانوا أنفسهم يظلمون بالكفر والتكذيب; ودل هذا على أنهم لم يؤمنوا فأهلكوا .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم أخبر عن عاقبتهم فقال: ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى يعني الخلة السيئة; وفيها قولان . أحدهما: أنها العذاب، قاله الحسن . والثاني: جهنم، قاله السدي .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: أن كذبوا قال الفراء: معناه: لأن كذبوا، فلما ألقيت اللام كان نصبا . وقال الزجاج: لتكذيبهم بآيات الله واستهزائهم . وقيل: السوأى مصدر بمنزلة الإساءة; فالمعنى: ثم كان التكذيب آخر أمرهم، أي: ماتوا على ذلك، كأن الله تعالى جازاهم على إساءتهم أن طبع على قلوبهم حتى ماتوا على التكذيب عقوبة لهم . وقال مكي بن أبي طالب النحوي: " عاقبة " اسم كان، و " السوأى " خبرها، و " أن كذبوا " مفعول من أجله; ويجوز أن يكون " السوأى " مفعولة بـ " أساؤوا " ، و " أن كذبوا " خبر كان; ومن نصب " عاقبة " جعلها خبر " كان " و " السوأى " اسمها، ويجوز أن يكون " أن كذبوا " اسمها . وقرأ الأعمش: " أساؤوا السوء " برفع " السوء " .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: الله يبدأ الخلق ثم يعيده أي: يخلقهم أولا، ثم يعيدهم بعد الموت أحياء كما كانوا، ثم إليه ترجعون قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: " ترجعون " بالتاء; فعلى هذا يكون الكلام عائدا من الخبر إلى الخطاب وقرأ أبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم: بالياء، لأن المتقدم ذكره غيبة، والمراد بذكر الرجوع: الجزاء على الأعمال، والخلق بمعنى المخلوقين، وإنما قال: يعيده على لفظ الخلق .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية