الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 76 ] قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون

                                                                                                                                                                                                                                      قال أي: إبليس، وهو أيضا استئناف مبني على السؤال الذي ينساق إليه الكلام، لم أكن لأسجد اللام لتأكيد النفي، أي: ينافي حالي، ولا يستقيم مني; لأني مخلوق من أشرف العناصر، وأعلاها أن أسجد لبشر ، أي: جسم كثيف خلقته من صلصال من حمإ مسنون اقتصر ههنا على الإشارة الإجمالية إلى ادعاء الخيرية، وشرف المادة اكتفاء بما صرح به، حين قال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ولم يكتف اللعين بمجرد ذكر كونه عليه الصلاة والسلام من التراب الذي هو أخس العناصر وأسفلها، بل تعرض لكونه مخلوقا منه في أخس أحواله من كونه طينا متغيرا، وقد اكتفى في سورة الأعراف، وسورة ص بما حكى عنه ههنا فاقتصر على حكاية تعرضه لخلقه عليه الصلاة والسلام من طين، وكذا في سورة بني إسرائيل، حيث قيل: أأسجد لمن خلقت طينا ؟! وفي جوابه دليل على أن قوله تعالى: "ما لك"؟! ليس استفسارا عن الغرض بل هو استفسار عن السبب، وفي عدوله عن تطبيق جوابه على السؤال روم للتقصي عن المناقشة، وأنى له ذلك كأنه قال: لم أمتنع عن امتثال الأمر، ولا عن الانتظام في سلك الملائكة، بل عما لا يليق بشأني من الخضوع للمفضول، ولقد جرى خذله الله تعالى على سنن قياس عقيم، وزل عنه أن ما يدور عليه فلك الفضل والكمال، هو التحلي بالمعارف الربانية، والتخلي عن الملكات الردية التي أقبحها الكبر والاستعصاء على أمر رب العالمين جل جلاله.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية