الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 4171 ] وقد أكد سبحانه هذا المعنى السامي فقال:

                                                          فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون .

                                                          الفاء فيها بيان ترتيب الإساءة على ما ارتكبوا من سيئات، فهي تبين كيف ظلموا أنفسهم، فقال: فأصابهم سيئات ما عملوا أي: فأصابهم جزاء سيئات ما عملوا، فالكلام على تقدير مضاف، وفي هذا التفسير بيان لأنهم ظلموا أنفسهم بأن تسببوا في العذاب الذي نزل، فكانوا به ظالمين لأنفسهم، وحذف المضاف مع بقاء المضاف إليه للإشارة إلى الجزاء كالسيئات تماما، حتى كأنه هو.

                                                          وإن السيئات تترادف يجيء بعضها تلو بعض، حتى تتراكم فيظلم القلب وحينئذ تفسد كل أسباب الإدراك وتكون قلوبهم غلفا، ويتوالى منهم الفساد، فيكون ذلك سببا في أن ينزل بهم عذاب الله، ويكونون ظالمين لأنفسهم. وقوله تعالى: سيئات ما عملوا فيه إشارة إلى أن الله لا يأخذهم إلا بالسيئات، وهي ما يسوء في ذات من الأفعال، وما يسوء الناس، وما يصدهم عن الحق المبين.

                                                          وحاق بهم أي: أحاط بقلوبهم عملهم السيئ، حتى أصبحوا لا يدورون إلا في فلكه، واستعمال (حاق) بمعنى أحاط لا يكون إلا في السوء، فالحيق لا يكون إلا في إحاطة الشر.

                                                          وقوله تعالى: ما كانوا به يستهزئون أي: أحاط بهم القول الذي كانوا به يستهزئون، أي: جزاؤه، وحذف المضاف للإشارة إلى المساواة بين الجزاء والفعل كأنه هو.

                                                          ويصح أن نقول إن المراد، أن يحيط بهم الاستهزاء نفسه تقريعا ولوما، وإشعارا لهم بأنهم المستهزئون المحقرون، ومن كانوا موضع استهزائهم السخيف هم الأكرمون عند الله.

                                                          [ ص: 4172 ] وإن تفكير السيئين دائما أن يحملوا أوزارهم وأوزار غيرهم، كما جاء سارق فقيل له: لم سرقت؟ فقال: ذلك قضاء الله. فكأنه يحمل الله تعالى ما ارتكب، كذلك تفكير المشركين.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية