الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3139 باب الإحسان إلى المملوكين في :

                                                                                                                              الطعام واللباس، ولا يكلفون ما لا يطيقون

                                                                                                                              وهو في الجزء الرابع من النووي ، في : (باب صحبة المماليك) .

                                                                                                                              حديث الباب - وهو بصحيح مسلم النووي ص 132 - 133 ج11 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن المعرور بن سويد ، قال: مررنا بأبي ذر بالربذة. وعليه برد، وعلى غلامه مثله . فقلنا: يا أبا ذر! لو جمعت بينهما، كانت حلة. فقال: إنه كان بيني وبين رجل من إخواني كلام، وكانت أمه أعجمية، فعيرته بأمه . فشكاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فلقيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا أبا ذر! إنك امرؤ فيك جاهلية". قلت: يا رسول الله! من سب الرجال، سبوا أباه وأمه. قال: يا أبا ذر ! إنك امرؤ فيك [ ص: 561 ] جاهلية. هم إخوانكم، جعلهم الله تحت أيديكم. فأطعموهم مما تأكلون. وألبسوهم مما تلبسون. ولا تكلفوهم ما يغلبهم. فإن كلفتموهم فأعينوهم".].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن المعرور بن سويد ) ، بالعين المهملة . وبالراء المكررة.

                                                                                                                              (قال : مررنا بأبي ذر بالربذة . وعليه برد ، وعلى غلامه مثله.

                                                                                                                              فقلنا : يا أبا ذر ! لو جمعت بينهما ، كانت حلة) .

                                                                                                                              إنما قال ذلك ، لأن الحلة عند العرب : ثوبان . ولا تطلق على ثوب واحد .

                                                                                                                              (فقال : إنه كان بيني وبين رجل من إخواني) ، أي : من المسلمين . والظاهر : أنه كان عبدا . وإنما قال : من إخواني ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال له : " إخوانكم خولكم . فمن كان أخوه تحت يده ، فليطعمه " . الحديث متفق عليه .

                                                                                                                              (كلام . وكانت أمه أعجمية ، فعيرته بأمه . فشكاني إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم . فلقيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : " يا أبا ذر ! إنك امرؤ فيك جاهلية") .

                                                                                                                              أي : هذا التعيير من أخلاق الجاهلية . ففيك خلق من أخلاقهم .

                                                                                                                              وينبغي للمسلم : أن لا يكون فيه شيء من أخلاقهم .

                                                                                                                              [ ص: 562 ] ففيه : النهي عن التعيير ، وتنقيص الآباء والأمهات . وأنه من أخلاق الجاهلية .

                                                                                                                              (قلت : يا رسول الله ! من سب الرجال ، سبوا أباه وأمه) .معناه : الاعتذار عن سبه " أم ذلك الإنسان "

                                                                                                                              يعني : أنه سبني . ومن سب إنسانا ، سب ذلك الإنسان أبا الساب وأمه . فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم . (وقال : يا أبا ذر ! إنك امرؤ فيك جاهلية) .

                                                                                                                              يعني : هذا من أخلاق الجاهلية . وإنما يباح للمسبوب أن يسب الساب نفسه ، بقدر ما سبه . ولا يتعرض لأبيه ، ولا لأمه .

                                                                                                                              (هم إخوانكم . جعلهم الله تحت أيديكم . فأطعموهم مما تأكلون . وألبسوهم مما تلبسون. ولا تكلفوهم ما يغلبهم. فإن كلفتموهم فأعينوهم) .

                                                                                                                              الضمير في "هم إخوانكم " : يعود إلى المماليك . والأمر بإطعامهم مما يأكل السيد ، وإلباسهم مما يلبس : محمول على الاستحباب ، لا على الإيجاب .

                                                                                                                              قال النووي : وهذا بإجماع المسلمين . وأما فعل أبي ذر "في كسوة غلامه ، مثل كسوته " : فعمل بالمستحب . وإنما يجب على السيد : نفقة المملوك وكسوته بالمعروف ، بحسب البلدان ، والأشخاص . سواء كان [ ص: 563 ] من جنس نفقة السيد ولباسه ، أو دونه ، أو فوقه . حتى لو قتر السيد على نفسه ، تقتيرا خارجا عن عادة أمثاله ، " إما زهدا ، وإما شحا" : لا يحل له التقتير على المملوك ، وإلزامه وموافقته ، إلا برضاه .

                                                                                                                              قال : وأجمع العلماء ، على أنه لا يجوز : أن يكلفه من العمل ، ما لا يطيقه . فإن كلفه ذلك : لزمه إعانته بنفسه ، أو بغيره . انتهى .

                                                                                                                              وفي رواية أخرى : " فإن كلفه ما يغلبه فليبعه".

                                                                                                                              وفي رواية : " فليعنه عليه".

                                                                                                                              وفي أخرى : " للمملوك طعامه وكسوته ، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق " . وهو موافق لحديث أبي ذر هذا .

                                                                                                                              ونبه بالطعام ، واللباس ، والكسوة : على سائر المؤن ، التي يحتاج إليها العبد .

                                                                                                                              قال في "النيل" : حديث أبي ذر محمول على الندب . والقرينة الصارفة إليه : الإجماع على أنه لا يجب على السيد ذلك . وذهب الشافعي : إلى أن الواجب : الكفاية بالمعروف .

                                                                                                                              قال: وفيه دليل على تحريم تكليف العبيد والإماء ، فوق ما يطيقونه من الأعمال . وهذا مجمع عليه . انتهى




                                                                                                                              الخدمات العلمية