الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ حفا ]

                                                          حفا : الحفا : رقة القدم والخف والحافر ، حفي حفا فهو حاف وحف ، والاسم الحفوة والحفوة . وقال بعضهم : حاف بين الحفوة والحفوة والحفية والحفاية ، وهو الذي لا شيء في رجله من خف ونعل ، فأما الذي رقت قدماه من كثرة المشي فإنه حاف بين الحفا . والحفا : المشي بغير خف ونعل . الجوهري : قال الكسائي رجل حاف بين الحفوة والحفية والحفاية والحفاء ، بالمد ; قال ابن بري : صوابه والحفاء ، بفتح الحاء ، قال : كذلك ذكره ابن السكيت وغيره ، وقد حفي يحفى وأحفاه غيره . والحفوة والحفا : مصدر الحافي . يقال : حفي يحفى حفا إذا كان بغير خف ونعل ، وإذا انسحجت القدم أو فرسن البعير أو الحافر من المشي حتى رقت قيل حفي يحفى حفا ، فهو حف ; وأنشد :


                                                          وهو من الأين حف نحيت



                                                          وحفي من نعليه وخفه حفوة وحفية وحفاوة ، ومشى حتى حفي حفا شديدا وأحفاه الله ، وتوجى من الحفا ووجي وجى شديدا . والاحتفاء : أن تمشي حافيا فلا يصيبك الحفا . وفي حديث الانتعال : ليحفهما جميعا أو لينعلهما جميعا ; قال ابن الأثير : أي ليمش حافي الرجلين أو منتعلهما ؛ لأنه قد يشق عليه المشي بنعل واحدة ، فإن وضع إحدى القدمين حافية إنما يكون مع التوقي من أذى يصيبها ويكون وضع القدم المنتعلة على خلاف ذلك ، فيختلف حينئذ مشيه الذي اعتاده فلا يأمن العثار ، وقد يتصور فاعله عند الناس بصورة من إحدى رجليه أقصر من الأخرى . الجوهري : أما الذي حفي من كثرة المشي أي رقت قدمه أو حافره فإنه حف بين الحفا ، مقصور ، والذي يمشي بلا خف ولا نعل : حاف بين الحفاء ، بالمد . الزجاج : الحفا ، مقصور ، أن يكثر عليه المشي حتى يؤلمه المشي ، قال : والحفاء ، ممدود ، أن يمشي الرجل بغير نعل ، حاف بين الحفاء ، ممدود ، وحف ، بين الحفا ، مقصور ، إذا رق حافره . وأحفى الرجل : حفيت دابته . وحفي بالرجل حفاوة وحفاوة وحفاية وتحفى به واحتفى : بالغ في إكرامه . وتحفى إليه في الوصية : بالغ . الأصمعي : حفيت إليه في الوصية وتحفيت به تحفيا ، وهو المبالغة في إكرامه . وحفيت إليه بالوصية أي بالغت . وحفي الله بك : في معنى أكرمك الله . وأنا به حفي أي بر مبالغ في الكرامة . والتحفي : الكلام واللقاء الحسن . وقال الزجاج في قوله ، تعالى : إنه كان بي حفيا معناه لطيفا . ويقال : قد حفي فلان بفلان حفوة إذا بره وألطفه . وقال الليث : الحفي هو اللطيف بك يبرك ويلطفك ويحتفي بك ، وقال الأصمعي : حفي فلان بفلان يحفى به حفاوة إذا قام في حاجته وأحسن مثواه . وحفا الله به حفوا : أكرمه . وحفا شاربه حفوا وأحفاه : بالغ في أخذه وألزق حزه . وفي الحديث : أنه عليه الصلاة والسلام ، أمر أن تحفى الشوارب وتعفى اللحى أي يبالغ في قصها . وفي التهذيب : أنه أمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحى . الأصمعي : أحفى شاربه ورأسه إذا ألزق حزه ، قال : ويقال في قول فلان إحفاء ، وذلك إذا ألزق بك ما تكره وألح في مساءتك كما يحفى الشيء أي ينتقص . وفي الحديث : إن الله يقول لآدم ، عليه السلام : أخرج نصيب جهنم من ذريتك ، فيقول : يا رب كم ؟ فيقول : من كل مائة تسعة وتسعين ، فقالوا : يا رسول الله احتفينا إذا فماذا يبقى ؟ أي استؤصلنا ، من إحفاء الشعر . وكل شيء استؤصل فقد احتفي . ومنه حديث الفتح : أن يحصدوهم حصدا ، وأحفى بيده أي أمالها وصفا للحصد والمبالغة في القتل . وحفاه من كل خير يحفوه حفوا : منعه . وحفاه حفوا : أعطاه . وأحفاه : ألح عليه في المسألة . وأحفى السؤال : ردده . الليث : أحفى فلان فلانا إذا برح به في الإلحاف عليه أو سأله فأكثر عليه في الطلب . الأزهري : الإحفاء في المسألة مثل الإلحاف سواء وهو الإلحاح . ابن الأعرابي : الحفو المنع ، يقال : أتاني فحفوته أي حرمته ، ويقال : حفا فلان فلانا من كل خير يحفوه إذا منعه من كل خير . وعطس رجل عند النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فوق ثلاث فقال له النبي ، صلى الله عليه وسلم : حفوت ، يقول : منعتنا أن نشمتك بعد الثلاث لأنه إنما يشمت في الأولى والثانية ، ومن رواه حقوت فمعناه سددت علينا الأمر حتى قطعتنا ، مأخوذ من الحقو لأنه يقطع البطن ويشد الظهر . وفي حديث خليفة : كتبت إلى ابن عباس أن يكتب إلي ويحفي عني ; أي يمسك عني بعض ما عنده مما لا أحتمله ، وإن حمل الإحفاء بمعنى المبالغة فيكون عني بمعنى علي ، وقيل : هو بمعنى المبالغة في البر به والنصيحة له ، وروي بالخاء المعجمة . وفي الحديث : أن رجلا سلم على بعض السلف فقال : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته الزاكيات ، فقال : أراك قد حفوتنا ثوابها أي منعتنا ثواب السلام حيث استوفيت علينا في الرد ، وقيل : أراد تقصيت ثوابها واستوفيته علينا . وحافى الرجل محافاة : ماراه ونازعه في الكلام . وحفي به حفاية ، فهو حاف وحفي ، وتحفى واحتفى : لطف به وأظهر السرور والفرح به وأكثر السؤال عن حاله . وفي الحديث : أن عجوزا دخلت عليه فسألها فأحفى وقال : إنها كانت تأتينا في زمن خديجة وإن كرم العهد من الإيمان . يقال : أحفى فلان بصاحبه وحفي به أي بالغ في بره والسؤال عن حاله . وفي حديث عمر : فأنزل أويسا القرني فاحتفاه وأكرمه . وحديث علي : إن الأشعث سلم عليه فرد عليه بغير تحف ; أي غير مبالغ في الرد والسؤال . والحفاوة ، بالفتح : المبالغة في السؤال عن الرجل والعناية في أمره . وفي المثل : مأربة حفاوة ; تقول منه : حفيت ، بالكسر ، حفاوة . وتحفيت به أي بالغت في إكرامه وإلطافه . وحفي الفرس : انسحج حافره . والإحفاء : الإستقصاء في الكلام والمنازعة ; ومنه قول الحارث بن حلزة :


                                                          إن إخواننا الأراقم يعلو     ن علينا ، في قيلهم إحفاء



                                                          [ ص: 173 ] أي يقعون فينا . وحافى الرجل : نازعه في الكلام وماراه . الفراء في قوله ، عز وجل : إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا أي يجهدكم . وأحفيت الرجل إذا أجهدته . وأحفاه : برح به في الإلحاح عليه ، أو سأله فأكثر عليه في الطلب وأحفى السؤال كذلك . وفي حديث أنس : أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى أحفوه أي استقصوا في السؤال . وفي حديث السواك : لزمت السواك حتى كدت أحفي فمي ; أي أستقصي على أسناني فأذهبها بالتسوك . وقوله تعالى : يسألونك كأنك حفي عنها قال الزجاج : يسألونك عن أمر القيامة كأنك فرح بسؤالهم ، وقيل : معناه كأنك أكثرت المسألة عنها ، وقال الفراء : فيه تقديم وتأخير ، معناه يسألونك عنها كأنك حفي بها ; قال : ويقال في التفسير كأنك حفي عنها كأنك عالم بها ، معناه حاف عالم . ويقال : تحافينا إلى السلطان فرفعنا إلى القاضي ، والقاضي يسمى الحافي . ويقال : تحفيت بفلان في المسألة إذا سألت به سؤالا أظهرت فيه المحبة والبر ، قال : وقيل كأنك حفي عنها كأنك أكثرت المسألة عنها ، وقيل : كأنك حفي عنها كأنك معني بها ، ويقال : المعنى يسألونك كأنك سائل عنها . وقوله : إنه كان بي حفيا معناه كان بي معنيا ; وقال الفراء : معناه كان بي عالما لطيفا يجيب دعوتي إذا دعوته . ويقال : تحفى فلان معناه أنه أظهر العناية في سؤاله إياه . يقال : فلان بي حفي إذا كان معنيا ; وأنشد للأعشى :


                                                          فإن تسألي عني ، فيا رب سائل     حفي عن الأعشى به حيث أصعدا



                                                          معناه : معني بالأعشى وبالسؤال عنه . ابن الأعرابي : يقال لقيت فلانا فحفي بي حفاوة وتحفى بي تحفيا . الجوهري : الحفي العالم الذي يتعلم الشيء باستقصاء . والحفي : المستقصي في السؤال . واحتفى البقل : اقتلعه من وجه الأرض . وقال أبو حنيفة : الاحتفاء أخذ البقل بالأظافير من الأرض . وفي حديث المضطر الذي سأل النبي : متى تحل لنا الميتة ؟ فقال : ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا أو تحتفيوا بها بقلا فشأنكم بها ; قال أبو عبيد : هو من الحفا ، مهموز مقصور ، وهو أصل البردي الأبيض الرطب منه ، وهو يؤكل ، فتأوله في قوله تحتفيوا ، يقول : ما لم تقتلعوا هذا بعينه فتأكلوه ، وقيل : أي إذا لم تجدوا في الأرض من البقل شيئا ، ولو بأن تحتفوه فتنتفوه لصغره ; قال ابن سيده : وإنما قضينا على أن اللام في هذه الكلمات ياء لا واو لما قيل من أن اللام ياء أكثر منها واوا . الأزهري : وقال أبو سعيد في قوله أو تحتفيوا بقلا فشأنكم بها ; صوابه تحتفوا ، بتخفيف الفاء من غير همز . وكل شيء استؤصل فقد احتفي ، ومنه إحفاء الشعر . قال : واحتفى البقل إذا أخذه من وجه الأرض بأطراف أصابعه من قصره وقلته ; قال : ومن قال تحتفئوا ، بالهمز ، من الحفإ البردي فهو باطل ؛ لأن البردي ليس من البقل ، والبقول ما نبت من العشب على وجه الأرض مما لا عرق له ، قال : ولا بردي في بلاد العرب ، ويروى : ما لم تجتفئوا ، بالجيم ، قال : والاجتفاء أيضا بالجيم باطل في هذا الحديث لأن الاجتفاء كبك الآنية إذا جفأتها ، ويروى : ما لم تحتفوا ، بتشديد الفاء ، من احتففت الشيء إذا أخذته كله كما تحف المرأة وجهها من الشعر ، ويروى بالخاء المعجمة ، وقال خالد بن كلثوم : احتفى القوم المرعى إذا رعوه فلم يتركوا منه شيئا ; وقال في قول الكميت :


                                                          وشبه بالحفوة المنقل



                                                          قال : المنقل أن ينتقل القوم من مرعى احتفوه إلى مرعى آخر . الأزهري : وتكون الحفوة من الحافي الذي لا نعل له ولا خف ; ومنه قوله :


                                                          وشبه بالحفوة المنقل



                                                          وفي حديث السباق ذكر الحفياء ، بالمد والقصر ; قال ابن الأثير : هو موضع بالمدينة على أميال ، وبعضهم يقدم الياء على الفاء ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية