الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ثم لننـزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا [69] .

                                                                                                                                                                                                                                        وهذه آية مشكلة في الإعراب لأن القراء كلهم يقرءون (أيهم) بالرفع إلا هارون القارئ، فإن سيبويه حكى عنه (ثم لننزعن من كل شيعة أيهم) بالنصب .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 24 ] أوقع على "أيهم" لننزعن. قال أبو إسحاق: في رفع "أيهم" ثلاثة أقوال: قال الخليل بن أحمد -حكاه عنه سيبويه- إنه مرفوع على الحكاية، والمعنى عنده ثم لننزعن من كل شيعة الذي يقال من أجل عتوه أيهم أشد على الرحمن عتيا وأنشد الخليل :


                                                                                                                                                                                                                                        ولقد أبيت من الفتاة بمنزل فأبيت لا حرج ولا محروم



                                                                                                                                                                                                                                        أي فأبيت بمنزلة الذي يقال له: لا هو حرج ولا محروم. قال أبو جعفر: ورأيت أبا إسحاق يختار هذا القول ويستحسنه، قال: لأنه بمعنى قول أهل التفسير، وزعم أن معنى ثم لننزعن من كل شيعة ثم لننزعن من كل فرقة الأعتا فالأعتا، كأنه يبدأ بالتعذيب بأشدهم عتيا ثم الذي يليه، وهذا نص كلام أبي إسحاق في معنى الآية. وقال يونس: لننزعن بمنزلة الأفعال التي تلغى فرفع "أيهم" بالابتداء. وقال سيبويه: "أيهم" مبني على الضم؛ لأنها خالفت أخواتها في الحذف؛ لأنك لو قلت: رأيت الذي أفضل منك، ومن أفضل كان قبيحا حتى تقول: من هو أفضل، والحذف في أيهم جائز. قال أبو جعفر: وما علمت أن أحدا من النحويين إلا وقد خطأ سيبويه في هذا. سمعت أبا إسحاق يقول: ما يبين لي أن سيبويه غلط في كتابه إلا في موضعين هذا أحدهما، قال: وقد علمنا سيبويه أنه أعرب "أيا" وهي منفردة؛ لأنها تضاف فكيف يبنيها وهي مضافة؟ ولم يذكر أبو إسحاق فيما علمت إلا هذه الثلاثة الأقوال. قال أبو جعفر: وفيه أربعة أقوال سوى هذه الثلاثة الأقوال التي ذكرها أبو إسحاق، قال الكسائي :

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 25 ] لننزعن واقعة على المعنى كما تقول: لبست من الثياب وأكلت من الطعام، ولم يقع لننزعن على "أيهم" فينصبها. وقال الفراء: المعنى ثم لننزعن بالنداء. ومعنى لننزعن لننادين إذا كان معناه لننزعن بالنداء. قال أبو جعفر: وحكى أبو بكر بن شقير أن بعض الكوفيين يقول: في "أيهم" معنى الشرط والمجازاة، فلذلك لم يعمل فيها ما قبلها، والمعنى ثم لننزعن من كل فرقة إن تشايعوا أو لم يتشايعوا كما تقول: ضربت القوم أيهم غضب والمعنى إن غضبوا أو لم يغضبوا، فهذه ستة أقوال، وسمعت علي بن سليمان يحكي عن محمد بن يزيد قال: أيهم متعلق بشيعة فهو مرفوع لهذا والمعنى ثم لننزعن من الذين تشايعوا أيهم أي من الذين تعاونوا فنظروا أيهم أشد على الرحمن عتيا. وهذا قول حسن. وقد حكى الكسائي: إن التشايع التعاون، "عتيا" على البيان.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية