الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ حقب ]

                                                          حقب : الحقب ، بالتحريك : الحزام الذي يلي حقو البعير . وقيل : هو حبل يشد به الرحل في بطن البعير مما يلي ثيله ، لئلا يؤذيه التصدير ، أو يجتذبه التصدير ، فيقدمه ; تقول منه : أحقبت البعير . وحقب ، بالكسر ، حقبا فهو حقب : تعسر عليه البول من وقوع الحقب على ثيله ; ولا يقال : ناقة حقبة لأن الناقة ليس لها ثيل . الأزهري : من أدوات الرحل الغرض والحقب ، فأما الغرض فهو حزام الرحل ، وأما الحقب فهو حبل يلي الثيل . ويقال : أخلفت عن البعير ، وذلك إذا أصاب حقبه ثيله ، فيحقب هو حقبا ، وهو احتباس بوله ; ولا يقال ذلك في الناقة ؛ لأن بول الناقة من حيائها ، ولا يبلغ الحقب الحياء ; والإخلاف عنه : أن يحول الحقب فيجعل مما يلي خصيتي البعير . ويقال : شكلت عن البعير ، وهو أن تجعل بين الحقب والتصدير خيطا ، ثم تشده لئلا يدنو الحقب من الثيل . واسم ذلك الخيط : الشكال . وجاء في الحديث : ( لا رأي لحازق ، ولا حاقب ، ولا حاقن ) الحازق : الذي ضاق عليه خفه ، فحزق قدمه حزقا ، وكأنه بمعنى لا رأي لذي حزق ; والحاقب : هو الذي احتاج إلى الخلاء ، فلم يتبرز ، وحصر غائطه ، شبه بالبعير الحقب الذي قد دنا الحقب من ثيله ، فمنعه من أن يبول . وفي الحديث : نهي عن صلاة الحاقب والحاقن . وفي حديث عبادة بن أحمر : فجمعت إبلي ، وركبت الفحل ، فحقب فتفاج يبول ، فنزلت عنه . حقب البعير إذا احتبس بوله . ويقال : حقب العام إذا احتبس مطره . والحقب والحقاب : شيء تعلق به المرأة الحلي ، وتشده في وسطها ، والجمع حقب . والحقاب : شيء محلى تشده المرأة على وسطها . قال الليث : الحقاب شيء تتخذه المرأة ، تعلق به معاليق الحلي ، تشده على وسطها ، والجمع الحقب . قال الأزهري : الحقاب هو البريم ، إلا أن البريم يكون فيه ألوان من الخيوط تشده المرأة على حقويها . والحقاب : خيط يشد في حقو الصبي ، تدفع به العين . والحقب في النجائب : لطافة الحقوين ، وشدة صفاقهما ، وهي مدحة . والحقاب : البياض الظاهر في أصل الظفر . والأحقب : الحمار الوحشي الذي في بطنه بياض ، وقيل : هو الأبيض موضع الحقب ; والأول أقوى ; وقيل : إنما سمي بذلك لبياض في حقويه ، والأنثى حقباء ; قال رؤبة بن العجاج يشبه ناقته بأتان حقباء :

                                                          [ ص: 174 ]

                                                          كأنها حقباء بلقاء الزلق أو جادر الليتين ، مطوي الحنق



                                                          والزلق : عجيزتها حيث تزلق منه . والجادر : حمار الوحش الذي عضضته الفحول في صفحتي عنقه ، فصار فيه جدرات . والجدرة : كالسلعة تكون في عنق البعير ، وأراد بالليتين صفحتي العنق أي هو مطوي عند الحنق ، كما تقول : هو جريء المقدم أي جريء عند الإقدام والعرب تسمي الثعلب محقبا ، لبياض بطنه . وأنشد بعضهم لأم الصريح الكندية ، وكانت تحت جرير ، فوقع بينها وبين أخت جرير لحاء وفخار ، فقالت :

                                                          أتعدلين محقبا بأوس ، والخطفي بأشعث بن قيس ما ذاك بالحزم ولا بالكيس

                                                          عنت بذلك : أن رجال قومها عند رجالها ، كالثعلب عند الذئب . وأوس هو الذئب ، ويقال له أويس . والحقيبة كالبرذعة ، تتخذ للحلس والقتب ، فأما حقيبة القتب فمن خلف ، وأما حقيبة الحلس فمجوبة عن ذروة السنام . وقال ابن شميل : الحقيبة تكون على عجز البعير ، تحت حنوي القتب الآخرين والحقب : حبل تشد به الحقيبة . والحقيبة : الرفادة في مؤخر القتب ، والجمع الحقائب . وكل شيء شد في مؤخر رحل أو قتب ، فقد احتقب . وفي حديث حنين : ثم انتزع طلقا من حقبه أي من الحبل المشدود على حقو البعير ، أو من حقيبته ، وهي الزيادة التي تجعل في مؤخر القتب ، والوعاء الذي يجعل الرجل فيه زاده . والمحقب : المردف ; ومنه حديث زيد بن أرقم : كنت يتيما لابن رواحة فخرج بي إلى غزوة مؤتة ، مردفي على حقيبة رحله ; ومنه حديث عائشة : فأحقبها عبد الرحمن على ناقة ; أي أردفها خلفه على حقيبة الرحل . وفي حديث أبي أمامة : أنه أحقب زاده خلفه على راحلته ; أي جعله وراءه حقيبة . واحتقب خيرا أو شرا ، واستحقبه : ادخره على المثل ؛ لأن الإنسان حامل لعمله ومدخر له . واحتقب فلان الإثم : كأنه جمعه واحتقبه من خلفه ; قال امرؤ القيس :


                                                          فاليوم أسقى ، غير مستحقب     إثما ، من الله ، ولا واغل



                                                          واحتقبه واستحقبه ، بمعنى أي احتمله . الأزهري : الاحتقاب شد الحقيبة من خلف ، وكذلك ما حمل من شيء من خلف ، يقال : احتقب واستحقب ; قال النابغة :


                                                          مستحقبي حلق الماذي ، يقدمهم     شم العرانين ، ضرابون للهام



                                                          الأزهري : ومن أمثالهم : استحقب الغزو أصحاب البراذين ; يقال ذلك عند ضيق المخارج ; ويقال في مثله : نشب الحديدة والتوى المسمار ; يقال ذلك عند تأكيد كل أمر ليس منه مخرج . والحقبة من الدهر : مدة لا وقت لها . والحقبة ، بالكسر : السنة ; والجمع حقب وحقوب كحلية وحلي . والحقب والحقب : ثمانون سنة ، وقيل أكثر من ذلك ; وجمع الحقب حقاب ، مثل قف وقفاف ، وحكى الأزهري في الجمع أحقابا . والحقب : الدهر ، والأحقاب : الدهور ; وقيل : الحقب السنة ، عن ثعلب . ومنهم من خصص به لغة قيس خاصة . وقوله تعالى : أو أمضي حقبا قيل : معناه سنة ، وقيل : معناه سنين ، وبسنين فسره ثعلب . قال الأزهري : وجاء في التفسير : أنه ثمانون سنة ، فالحقب على تفسير ثعلب ، يكون أقل من ثمانين سنة ؛ لأن موسى عليه السلام ، لم ينو أن يسير ثمانين سنة ، ولا أكثر ، وذلك أن بقية عمره في ذلك الوقت لا تحتمل ذلك ; والجمع من كل ذلك أحقاب وأحقب ; قال ابن هرمة :


                                                          وقد ورث العباس قبل محمد     نبيين حلا بطن مكة أحقبا



                                                          وقال الفراء في قوله ، تعالى : لابثين فيها أحقابا قال : الحقب ثمانون سنة والسنة ثلاثمائة وستون يوما ، اليوم منها ألف سنة من عدد الدنيا ، قال : وليس هذا مما يدل على غاية ، كما يظن بعض الناس ، وإنما يدل على الغاية التوقيت ، خمسة أحقاب أو عشرة ، والمعنى أنهم يلبثون فيها أحقابا ، كلما مضى حقب تبعه حقب آخر ; وقال الزجاج : المعنى أنهم يلبثون فيها أحقابا ، لا يذوقون في الأحقاب بردا ولا شرابا ، وهم خالدون في النار أبدا ، كما قال الله ، عز وجل ; وفي حديث قس :


                                                          وأعبد من تعبد في الحقب



                                                          هو جمع حقبة ، بالكسر ، وهي السنة ، والحقب ، بالضم : ثمانون سنة ، وقيل أكثر ، وجمعه حقاب . وقارة حقباء : مستدقة طويلة في السماء ; قال امرؤ القيس :


                                                          ترى القنة الحقباء منها ، كأنها     كميت ، يباري رعلة الخيل فارد



                                                          وهذا البيت منحول . قال الأزهري ، وقال بعضهم : لا يقال لها حقباء حتى يلتوي السراب بحقويها ; قال الأزهري : والقارة الحقباء التي في وسطها تراب أعفر وهو يبرق ببياضه مع برقة سائره . وحقبت السماء حقبا إذا لم تمطر . وحقب المطر حقبا احتبس . وكل ما احتبس فقد حقب ، عن ابن الأعرابي . وفي الحديث : حقب أمر الناس أي فسد واحتبس من قولهم حقب المطر أي تأخر واحتبس . والحقبة : سكون الريح ، يمانية . وحقب المعدن ، وأحقب : لم يوجد فيه شيء ، وفي الأزهري : إذا لم يركز . وحقب نائل فلان إذا قل وانقطع . وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه : الإمعة فيكم اليوم المحقب الناس دينه ; وفي رواية : الذي يحقب دينه الرجال ; أراد : الذي يقلد دينه لكل أحد أي يجعل دينه تابعا لدين غيره ، فلا حجة ولا برهان ولا روية وهو من الأرداف على الحقيبة . وفي صفة الزبير رضي الله عنه : كان نفج الحقيبة أي رابي العجز ناتئه ، وهو بضم النون والفاء ومنه انتفج جنبا البعير أي ارتفعا . والأحقب : زعموا اسم بعض الجن الذي جاءوا يستمعون القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم . قال ابن الأثير : وفي الحديث ذكر الأحقب ، وهو أحد النفر الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، من جن نصيبين ، قيل : [ ص: 175 ] كانوا خمسة : خسا ، ومسا ، وشاصه ، وباصه ، والأحقب . والحقاب : جبل بعينه ، معروف ; قال الراجز يصف كلبة طلبت وعلا مسنا في هذا الجبل :


                                                          قد قلت ، لما جدت العقاب     وضمها ، والبدن ، الحقاب
                                                          : جدي لكل عامل ثواب     الرأس والأكرع والإهاب



                                                          البدن الوعل المسن ; قال ابن بري : هذا الرجز ذكره الجوهري :


                                                          قد ضمها والبدن الحقاب



                                                          قال : والصواب : وضمها بالواو ، كما أوردناه . والعقاب : اسم كلبته ; قال لها لما ضمها والوعل الجبل : جدي في لحاق هذا الوعل لتأكلي الرأس والأكرع والإهاب .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية