الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب ما جاء في ضمان المتلف بجنسه 2435 - ( عن أنس قال : { أهدت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إليه طعاما في قصعة ، فضربت عائشة القصعة بيدها فألقت ما فيها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : طعام بطعام وإناء بإناء } رواه الترمذي وصححه ، وهو بمعناه لسائر الجماعة إلا مسلما ) .

                                                                                                                                            2436 - ( وعن عائشة { أنها قالت : ما رأيت صانعة طعاما مثل صفية ، أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم إناء من طعام ، فما ملكت نفسي أن كسرته ، فقلت : يا رسول الله ما كفارته ؟ قال : إناء كإناء وطعام كطعام } رواه أحمد وأبو داود والنسائي )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث الأول لفظه في البخاري { إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه ، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم لها بقصعة فيها طعام ، فضربت بيدها فكسرت القصعة ، [ ص: 386 ] فضمها وجعل فيها الطعام وقال : كلوا : ودفع القصعة الصحيحة للرسول وحبس المكسورة } هذا أحد ألفاظ البخاري ، وله ألفاظ أخر ، وليس فيه تسمية الضاربة وهي عائشة كما وقع في رواية الترمذي التي ذكرها المصنف

                                                                                                                                            والحديث الثاني في إسناده أفلت بن خليفة أبو حسان ويقال فليت العامري قال الإمام أحمد : ما أرى به بأسا وقال أبو حاتم الرازي : شيخ وقال الخطابي : في إسناد الحديث مقال وقال في الفتح : إن إسناده حسن قوله : ( بعض أزواج النبي ) هي زينب بنت جحش كما رواه ابن حزم في المحلى عن أنس ، ووقع قريب من ذلك لعائشة مع أم سلمة ، كما روى النسائي عنها " أنها أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بطعام في صحفة فجاءت عائشة متزرة بكساء ومعها فهر ، ففلقت به الصحفة " الحديث والرواية المذكورة في الباب عن عائشة تشعر بأنه قد وقع لها مثل ذلك مع صفية

                                                                                                                                            وقد روى الدارقطني عن أنس من طريق عمران بن خالد نحو ذلك قال عمران أكثر ظني أنها حفصة ، يعني : التي كسرت عائشة صحفتها قال في الفتح : ولم يصب عمران في ظنه أنها حفصة بل هي أم سلمة ، ثم قال : نعم : وقعت القصة لحفصة أيضا ، وذلك فيما رواه ابن أبي شيبة وابن ماجه من طريق رجل من بني سواءة غير مسمى عن عائشة قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه ، فصنعت له طعاما وصنعت حفصة له طعاما فسبقتني ، فقلت للجارية : انطلقي فاكفئي قصعتها ، فأكفأتها فانكسرت وانتشر الطعام ، فجمعه على النطع فأكلوه ، ثم بعث بقصعتي إلى حفصة فقال : خذوا ظرفا مكان ظرفكم } وبقية رجاله ثقات قال الحافظ : وتحرر من ذلك أن المراد بمن أبهم في حديث الباب هي زينب لمجيء الحديث من مخرجه وهو حميد عن أنس وما عدا ذلك فقصص أخرى لا تليق بمن تحقق أن يقول في مثل هذا قيل : المرسلة فلانة

                                                                                                                                            وقيل : فلانة من غير تحرير قوله : ( إناء بإناء ) فيه دليل على أن القيمي يضمن بمثله ولا يضمن بالقيمة إلا عند عدم المثل ، ويؤيده ما في رواية البخاري المتقدمة بلفظ ودفع القصعة الصحيحة للرسول " وبه احتج الشافعي والكوفيون وقال مالك : إن القيمي بقيمته مطلقا ، وفي رواية عنه كالمذهب الأول وفي رواية عنه أخرى : ما صنعه الآدمي فالمثل وأما الحيوان فالقيمة وعنه أيضا : ما كان مكيلا أو موزونا فالقيمة وإلا فالمثل ، قال في الفتح : وهو المشهور عندهم وقد ذهب إلى ما قاله مالك من ضمان القيمي بقيمته مطلقا جماعة من أهل العلم منهم الهادوية ، ولا خلاف في أن المثلي بمثله وأجاب القائلون بالقول الثاني عن حديث الباب وما في معناه بما حكاه البيهقي من أن القصعتين كانتا للنبي صلى الله عليه وسلم في بيتي زوجتيه فعاقب الكاسرة بجعل القصعة المكسورة في بيتها وجعل الصحيحة في بيت صاحبتها ولم يكن هناك تضمين وتعقب بما وقع في [ ص: 387 ] رواية لابن أبي حاتم بلفظ : { من كسر شيئا فهو له وعليه مثله } وبهذا يرد على من زعم أنها واقعة عين لا عموم فيها ومن جملة ما أجابوا به عن حديث الباب وما في معناه بأنه يحتمل أن يكون في ذلك الزمان كانت العقوبة فيه بالمال ، فعاقب الكاسرة بإعطاء قصعتها للأخرى

                                                                                                                                            وتعقب بأن التصريح بقوله : " إناء بإناء " يبعد ذلك قوله : ( طعام بطعام ) قيل : إن الحكم بذلك من باب المعونة والإصلاح دون بت الحكم بوجوب المثل فيه ; لأنه ليس له مثل معلوم قال الحافظ : في طرق الحديث ما يدل على أن الطعامين كانا مختلفين قوله : ( فما ملكت نفسي أن كسرته ) لفظ أبي داود " فأخذني أفكل " بفتح الهمزة وإسكان الفاء وفتح الكاف ثم لام ووزنه أفعل ، والمعنى أخذتني رعدة . الأفكل : وهي الرعدة من برد أو خوف والمراد هنا أنها لما رأت حسن الطعام غارت وأخذتها مثل الرعدة




                                                                                                                                            الخدمات العلمية