الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 206 ] باب مسح العنق .

                                                                                                                                            198 - ( عن ليث عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده أنه { رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح رأسه حتى بلغ القذال وما يليه من مقدم العنق } . رواه أحمد ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث فيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف ، قال ابن حبان : كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل ، ويأتي عن الثقات بما ليس من حديثهم ، تركه يحيى بن القطان وابن المهدي وابن معين وأحمد بن حنبل .

                                                                                                                                            قال النووي في تهذيب الأسماء : اتفق العلماء على ضعفه ، وأخرج الحديث أبو داود وذكر له علة أخرى عن أحمد بن حنبل قال : كان ابن عيينة ينكره ويقول : أيش هذا طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده ، وكذا حكى عثمان الدارمي عن علي بن المديني ، وزاد سألت عبد الرحمن بن مهدي عن اسم جده فقال : عمرو بن كعب أو كعب بن عمرو وكانت له صحبة ، وقال الدوري عن ابن معين : المحدثون يقولون : إن جد طلحة رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته يقولون : ليست له صحبة ، وقال الخلال عن أبي داود سمعت : رجلا من ولد طلحة يقول : إن لجده صحبة .

                                                                                                                                            وقال ابن أبي حاتم في العلل : سألت أبي عنه فلم يثبته ، وقال : إن طلحة هذا يقال : إنه رجل من الأنصار ، ومنهم من يقول : طلحة بن مصرف ، قال : ولو كان طلحة بن مصرف لم يختلف فيه . وقال ابن القطان : علة الخبر عندي الجهل بحال مصرف بن عمرو والد طلحة ، وصرح بأنه طلحة بن مصرف .

                                                                                                                                            وكذلك صرح بذلك ابن السكن وابن مردويه في كتاب أولاد المحدثين ، ويعقوب بن سفيان في تاريخه ، وابن أبي خيثمة أيضا وخلق .

                                                                                                                                            وفي الباب حديث ( مسح الرقبة أمان من الغل ) قال ابن الصلاح : هذا الخبر غير معروف عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو من قول بعض السلف . وقال النووي : في شرح المهذب : هذا حديث موضوع ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال في موضع آخر : لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء ، قال : وليس هو بسنة بل بدعة .

                                                                                                                                            وقال ابن القيم في الهدي : لم يصح عنه في مسح العنق حديث ألبتة .

                                                                                                                                            وروى القاسم بن سلام في كتاب الطهور عن عبد الرحمن بن مهدي عن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن عن موسى بن طلحة قال : { من مسح قفاه مع رأسه وقي الغل يوم القيامة } قال الحافظ ابن حجر في التلخيص : فيحتمل أن يقال هذا ، وإن كان موقوفا فله حكم الرفع ، لأن هذا لا يقال من قبيل الرأي فهو على هذا مرسل انتهى .

                                                                                                                                            وأخرج أبو نعيم في تاريخ أصبهان قال : حدثنا محمد بن أحمد حدثنا عبد الرحمن بن داود حدثنا عثمان بن خرزاذ حدثنا عمر بن محمد بن الحسن حدثنا محمد بن عمرو الأنصاري [ ص: 207 ] عن أنس بن سيرين عن { ابن عمر أنه كان إذا توضأ مسح عنقه ويقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من توضأ ومسح عنقه لم يغل بالأغلال يوم القيامة } والأنصاري هذا واه . قال الحافظ : قرأت جزءا رواه أبو الحسين بن فارس بإسناده عن فليح بن سليمان عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من توضأ ومسح بيديه على عنقه وقي الغل يوم القيامة } وقال : إن شاء الله هذا حديث صحيح . قلت : بين ابن فارس وفليح مفازة فلينظر فيها انتهى . وهو في كتب أئمة العترة في أمالي أحمد بن عيسى ، وشرح التجريد بإسناد متصل بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن فيه الحسين بن علوان عن أبي خالد الواسطي بلفظ : { من توضأ ومسح سالفتيه وقفاه أمن من الغل يوم القيامة } وكذا رواه في أصول الأحكام والشفاء . ورواه في التجريد عن علي عليه السلام من طريق محمد بن الحنفية في حديث طويل ، وفيه { أنه لما مسح رأسه مسح عنقه وقال له . بعد فراغه من الطهور : افعل كفعالي هذه } .

                                                                                                                                            وبجميع هذا تعلم أن قول النووي مسح الرقبة بدعة ، وأن حديثه موضوع مجازفة ، وأعجب من هذا قوله : ولم يذكره الشافعي ولا جمهور الأصحاب ، وإنما قاله ابن القاص وطائفة يسيرة فإنه قال الروياني من أصحاب الشافعي في كتابه المعروف بالبحر ما لفظه : قال أصحابنا : وهو سنة ، وتعقب النووي أيضا ابن الرفعة بأن البغوي وهو من أئمة الحديث قد قال باستحبابه ، قال : ولا مأخذ لاستحبابه إلا خبر أو أثر لأن هذا لا مجال للقياس فيه ، قال الحافظ : ولعل مستند البغوي في استحباب مسح القفا ما رواه أحمد وأبو داود ، وذكر حديث الباب ، ونسب حديث الباب ابن سيد الناس في شرح الترمذي إلى البيهقي أيضا .

                                                                                                                                            قال : وفيه زيادة حسنة وهي مسح العنق . فانظر كيف صرح هذا الحافظ بأن هذه الزيادة المتضمنة لمسح العنق حسنة ، ثم قال : قال المقدسي : وليث متكلم فيه ، وأجاب عن ذلك بأن مسلما قد أخرج له ، واختلف القائلون باستحباب مسح الرقبة هل تمسح ببقية ماء الرأس أو بماء جديد ؟ فقال الهادي والقاسم : تمسح ببقية ماء الرأس . وقال المؤيد بالله والمنصور بالله ونسبه في البحر إلى الفريقين : إنها تمسح بماء جديد .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية