الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب جناية البهيمة 2437 - ( قال النبي صلى الله عليه وسلم : { العجماء جرحها جبار } ) .

                                                                                                                                            2438 - ( وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الرجل جبار } رواه أبو داود ) .

                                                                                                                                            2439 - ( وعن حرام بن محيصة { أن ناقة البراء بن عازب دخلت حائطا فأفسدت فيه ، فقضى نبي الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار ، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها } رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه ) .

                                                                                                                                            2440 - ( وعن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من أوقف دابة في سبيل من سبل المسلمين أو في سوق من أسواقهم ، فأوطأت بيد أو رجل فهو ضامن } رواه الدارقطني ، وهذا عند بعضهم فيما إذا وقفها في طريق ضيق أو حيث تضر المار )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث " العجماء جرحها جبار " أخرجه الجماعة من حديث أبي هريرة ، وقد تقدم [ ص: 388 ] في باب ما جاء في الركاز والمعدن من كتاب الزكاة وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا النسائي وقال الدارقطني : لم يروه غير سفيان بن حسين ، وخالفه الحفاظ عن الزهري ، منهم مالك وابن عيينة ويونس ومعمر وابن جريج وعقيل وليث بن سعد وغيرهم ، كلهم رووه عن الزهري فقالوا " العجماء والبئر جبار ، والمعدن جبار " ولم يذكروا الرجل وهو الصواب وقال الخطابي : قد تكلم الناس في هذا الحديث وقيل : إنه غير محفوظ ، وسفيان بن حسين معروف بسوء الحفظ .

                                                                                                                                            وقد روى آدم بن أبي إياس عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الرجل جبار " قال الدارقطني : تفرد به آدم بن أبي إياس عن شعبة ، وسفيان بن حسين المذكور قد استشهد به البخاري ، وأخرج له مسلم في المقدمة ولم يحتج به واحد منهما وتكلم فيه غير واحد وحديث حرام بن محيصة أخرجه أيضا مالك في الموطإ والشافعي والنسائي والدارقطني وابن حبان وصححه والحاكم والبيهقي قال الشافعي : أخذنا به لثبوته واتصاله ومعرفة رجاله قال الحافظ : ومداره على الزهري واختلف عليه فقيل : عن الزهري عن ابن محيصة ورواه ابن عيسى عن مالك فزاد فيه : عن جده محيصة ورواه عن الزهري عن حرام عن أبيه ولم يتابع عليه ورواه الأوزاعي وإسماعيل بن أمية وعبد الله بن عيسى كلهم عن الزهري عن حرام عن البراء قال عبد الحق : وحرام لم يسمع من البراء ، وسبقه إلى ذلك ابن حزم ورواه النسائي من طريق محمد بن أبي حفصة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن البراء ورواه ابن عيينة عن الزهري عن حرام وسعيد بن المسيب عن البراء ورواه ابن جريج عن الزهري أخبرني أبو أسامة بن سهل " أن ناقة البراء " ورواه ابن أبي ذئب عن الزهري قال " بلغني أن ناقة البراء " وحديث النعمان قال في الجامع الكبير : رواه البيهقي وضعفه .

                                                                                                                                            قوله : ( جبار ) بضم الجيم ، أي : هدر . قال في القاموس : هو الهدر والباطل ، وظاهره أن جناية البهائم غير مضمونة ، ولكن المراد إذا فعلت ذلك بنفسها ولم تكن عقورا ولا فرط مالكها في حفظها حيث يجب عليه الحفظ وذلك في الليل ، كما يدل عليه حديث حرام بن محيصة ، وكذلك في أسواق المسلمين وطرقهم ومجامعهم كما يدل عليه حديث النعمان بن بشير .

                                                                                                                                            قوله : ( الرجل ) بكسر الراء وسكون الجيم ، يعني : أنه لا ضمان فيما جنته الدابة برجلها ، ولكن بشرط أن لا يكون ذلك بسبب من مالكها كتوقيفها في الأسواق والطرق والمجامع وطردها في تلك الأمكنة كما يدل على ذلك حديث النعمان ، وبشرط أن لا يكون ذلك في الأوقات التي يجب على المالك حفظها فيها كالليل وهذا الحديث وإن كان فيه المقال المتقدم ولكنه يشهد له ما في الحديث المتفق عليه من قوله صلى الله عليه وسلم : " جرحها جبار " فإن عمومه يقتضي عدم الفرق بين جنايتها برجلها أو [ ص: 389 ] بغيرها ، والكلام في ذلك مبسوط في الكتب الفقهية

                                                                                                                                            قوله : ( ضامن على أهلها ) أي : مضمون على أهلها وفي حديث البراء { وإن حفظ الماشية بالليل على أهلها ، وإن على أهل الماشية ما أصابت ماشيتهم بالليل } وقد استدل بذلك من قال : إنه لا يضمن مالك البهيمة ما جنته بالنهار ويضمن ما جنته بالليل ، وهو مالك والشافعي والهادوية وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه لا ضمان على أهل الماشية مطلقا واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم : { جرحها جبار } ولا شك أنه عموم مخصوص بحديث حرام بن محيصة والنعمان بن بشير قال الطحاوي : إلا أن تحقيق مذهب أبي حنيفة أنه لا ضمان إذا أرسلها مع حافظ ، وأما إذا أرسلها من دون حافظ ضمن انتهى ، ولا دليل على هذا التفصيل وذهب الليث وبعض المالكية إلى أنه يضمن مالكها ما جنته ليلا أو نهارا ، وهو إهدار للدليل العام والخاص

                                                                                                                                            وروي عن عمر أنه لا يضمن ما أتلفته مما لا يقدر على حفظه ، ويضمن ما أمكنه حفظه ، وهو أيضا تفصيل لا دليل عليه ، ولا يشكل على المذهب الأول قول الله تعالى : { إذ نفشت فيه غنم القوم } في قصة داود وسليمان على القول بأن شرع من قبلنا يلزمنا ; لأن النفش إنما يكون بالليل كما جزم بذلك الشعبي وشريح ومسروق ، روى ذلك البيهقي عنهم




                                                                                                                                            الخدمات العلمية