الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ولقد كان المشركون يعترضون على الرسالة المحمدية بأنها لرجل، ويريدون ملائكة، فبين الله تعالى أن الرسل جميعا من الرجال، فقال عز من قائل: [ ص: 4183 ]

                                                          وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون .

                                                          ليس عجبا أن يوحي الله تعالى إلى رجل منكم، وما كان محمد - صلى الله عليه وسلم - بدعا في الرسل، بل كان الرسل من أقوامهم يحسون بإحساسهم، ويتألفونهم ويعرفونهم في ماضيهم الطاهر المنزه، ولم يرسل رسولا إلا إذا كان من قومه وكان رجلا منهم؛ ولذا قال تعالى: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا فما أرسلنا ملكا؛ لأن طبيعته ليست من طبيعة الإنسان، وهو روح غير جسد، ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون الأمر أهو ملك، أم إنسان، وإن امتياز هذا الرجل الرسول من بينهم أنه يوحى إليه، وينزل عليه جبريل الأمين برسالته؛ ولذا قال: نوحي إليهم هذه قراءة بالنون المعظم للمتكلم، وهو الله تعالى، وأي متكلم أكبر وأعظم من رب البرية، وهذا كقوله تعالى في آية أخرى: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى ولقد قال سبحانه وتعالى على لسان رسوله: قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا

                                                          ولقد نبههم سبحانه إلى أن عليهم أن يتعرفوا الأمر من أهل المعرفة، فقد كانوا أميين منقطعين عن الرسالة فأراد سبحانه أن يوجههم إلى سؤال أهل المعرفة: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون (الفاء) تفصح عن شرط مقدر، أو واقعة في جواب الشرط إن كنتم لا تعلمون وأهل الذكر هم أهل التفكر والتدبر والعلم بالأشياء على وجهها، ويدخل في هؤلاء أهل الكتاب، أي: إن كنتم لا تعلمون هذه الحقائق، فلا تعجبوا في الأمر لمجرد أنه يثير عجبكم واستغرابكم، بل تعرفوا الأمر من أهل الذكر والحكمة والمعرفة وأهل الكتاب ليزول عجبكم واستغرابكم، وذلك مع المعجزة الكبرى التي قدمها لكم، وتحداكم أن تأتوا بسورة من مثله، وما زال يتحداكم وهكذا نرى القرآن الكريم يصرف الآيات ليدركوا وليستبينوا الحق.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية