الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3155 باب في بيع المدبر إذا لم يكن له مال غيره

                                                                                                                              وقال النووي في الجزء الرابع : (باب جواز بيع المدبر) .

                                                                                                                              فيه : حديث جابر بن عبد الله " رضي الله عنهما " ، وقد تقدم في أول (كتاب النفقات) .

                                                                                                                              وهذا الحديث : له طرق وألفاظ . والذي عند النووي ، في الباب المذكور هكذا ;

                                                                                                                              حديث الباب وهو بصحيح مسلم النووي ص 141 - 142 ج11 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن جابر بن عبد الله ، أن رجلا من الأنصار ، أعتق غلاما له، عن دبر، لم يكن له مال غيره. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "من يشتريه مني؟" فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم، فدفعها إليه. قال عمرو: سمعت جابر بن عبد الله يقول: عبدا قبطيا، مات عام أول.].

                                                                                                                              [ ص: 570 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 570 ] (الشرح)

                                                                                                                              ) عن جابر بن عبد الله ، أن رجلا من الأنصار ، أعتق غلاما له ، عن دبر . لم يكن له مال غيره . فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : " من يشتريه مني ؟ " فاشتراه نعيم بن عبيد الله بثمانمائة درهم ، فدفعها إليه) .

                                                                                                                              وتقدم شرح الحديث ، في أول كتاب النفقات "تحت الحديث المذكور هناك " : بألفاظه .

                                                                                                                              قال النووي : ومعنى "أعتقه عن دبر " : قال له : أنت حر بعد موتي .

                                                                                                                              وسمي هذا تدبيرا : لأنه يحصل العتق فيه ، في دبر الحياة .

                                                                                                                              وأما هذا الرجل الأنصاري ، فيقال له : "أبو مذكور". واسم الغلام المدبر : يعقوب .

                                                                                                                              قال : وفي هذا الحديث : دلالة لمذهب الشافعي وموافقيه . أنه يجوز بيع المدبر قبل موت سيده ، لهذا الحديث ، قياسا على الموصى بعتقه . فإنه يجوز بيعه بالإجماع .

                                                                                                                              قال : وممن جوزه عائشة ، وطاوس ، وعطاء ، والحسن ، ومجاهد ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وداود . رضي الله عنهم . [ ص: 571 ] وقال أبو حنيفة ، ومالك ، وجمهور العلماء ، والسلف من الحجازيين والشاميين والكوفيين ، رحمهم الله تعالى : لا يجوز بيع المدبر .

                                                                                                                              قالوا : وإنما باعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، في دين ، كان على سيده .

                                                                                                                              وقد جاء في رواية للنسائي ، والدارقطني : (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال له : " اقض به دينك") . قالوا : وإنما دفع إليه ثمنه ، ليقضي به دينه .

                                                                                                                              وتأوله بعض المالكية : على أنه لم يكن له مال غيره ، فرد تصرفه .

                                                                                                                              قال هذا القائل : وكذلك يرد تصرف من تصدق بكل ما له .

                                                                                                                              وهذا ضعيف ، بل باطل . والصواب : نفاذ تصرف من تصدق بكل ماله .

                                                                                                                              قال عياض : الأشبه عندي : أنه فعل ذلك نظرا له ، إذ لميترك لنفسه مالا .

                                                                                                                              قال النووي : والصحيح ما قدمناه : أن الحديث على ظاهره . وأنه يجوز بيع المدبر بكل حال . ما لم يمت السيد . والله أعلم .

                                                                                                                              قال : وأجمع المسلمون ، على صحة التدبير .

                                                                                                                              [ ص: 572 ] ثم مذهب الشافعي ، ومالك ، والجمهور : أنه يحسب عتقه من الثلث . وقال الليث ، وزفر : هو من رأس المال .

                                                                                                                              وفي هذا الحديث : نظر الإمام في مصالح رعيته . وأمره إياهم ، بما فيه الرفق بهم، وبإبطال ما يضرهم من تصرفاتهم، التي يمكن فسخها .

                                                                                                                              وفيه : جواز البيع ، فيمن يدبر. وهو مجمع عليه الآن . وقد كان فيه خلاف ضعيف ، لبعض السلف . انتهى .

                                                                                                                              قال في "شرح المنتقى" : الحديث يدل على جواز بيع المدبر مطلقا ، من غير تقييد بالفسق والضرورة . وإليه ذهب الشافعي ، وأهل الحديث . ونقله البيهقي في " المعرفة "، عن أكثر الفقهاء .

                                                                                                                              وقال ابن دقيق العيد : من منع البيع مطلقا ، كان الحديث حجة عليه ، لأن المنع الكلي : يناقضه الجواز الجزئي . ومن أجازه في بعض الصور ، فله أن يقول : قلت بالحديث في الصورة التي ورد فيها . فلا يلزمه القول به ، في غير ذلك من الصور .

                                                                                                                              انتهى كلامه .




                                                                                                                              الخدمات العلمية