الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              546- سهل بن عبد الله

              فمنهم الشيخ المسكين ، الناصح الأمين ، الناطق بالفضل الرصين [ ص: 190 ] أبو محمد سهل بن عبد الله بن يونس بن عيسى بن عبد الله بن رفيع التستري ، تخرج عن خاله محمد بن سوار ، ولقي أبا الفيض ذا النون المصري بالحرم ، كان عامة كلامه في تصفية الأعمال وتنقية الأحوال عن المعايب والأعلال .

              سمعت أبي يقول : سمعت أبا بكر الجوربي ، يقول : سمعت أبا محمد سهل بن عبد الله ، يقول : أصولنا ستة أشياء : التمسك بكتاب الله تعالى ، والاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأكل الحلال وكف الأذى واجتناب الآثام ، والتوبة وأداء الحقوق .

              وقال : من كان اقتداؤه بالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن في قلبه اختيار لشيء من الأشياء ، ولا يجول بقلبه سوى ما أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . وسئل : هل للمقتدي اختيار بالاستحسان ؟ قال : لا إنما جعل السنة واعتقادها بالاسم ولا تخلو من أربعة : الاستخارة والاستشارة والاستعانة والتوكل ، فتكون له الأرض قدوة ، والسماء له علما وعبرة ، وعيشته في حاله ; لأن حاله المزيد ، وهو الشكر .

              وقال : أيما عبد قام بشيء مما أمره الله به من أمر دينه فعمل به وتمسك به فاجتنب ما نهى الله تعالى عنه عند فساد الأمور وعند تشويش الزمان واختلاف الناس في الرأي والتفريق إلا جعله الله إماما يقتدى به هاديا مهديا قد أقام الدين في زمانه ، وأقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهو الغريب في زمانه الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ " .

              وما من عبد دخل في شيء من السنة وكان نيته متقدمة في دخوله لله إلا خرج الجهل من سره شاء أو أبى بتقديمه النية ، ولا يعرف الجهل إلا عالم فقيه زاهد عابد حكيم .

              وسئل كيف يتخلص العبد من خدعة نفسه وعدوه ؟ قال : يعرف حاله فيما بينه وبين الله وبعد عرفان حاله فيما بينه وبين الله يعرض نفسه على الكتاب والأثر ، ويقتدي في الأشياء بالسنة . وقال : على هذا الخلق من الله أن يلزموا أنفسهم سبعة أشياء ، فأولها الأمر والنهي وهو الفرض ، ثم السنة ثم الأدب ثم الترهيب ثم الترغيب ، ثم السعة ، فمن لم يلزم نفسه هذه السبعة ، ولم يعمل بها لم يكمل إيمانه ، ولم يتم عقله ولم يتهنأ بحياته ، ولم يجد لذة طاعة ربه ، قال : وسمعت سهلا يقول : [ ص: 191 ] اعلموا إخواني أن العباد عبدوا الله على ثلاثة وجوه : على الخوف ، والرجاء ، والقرب . وكل علامة يعرف بها وشهادة تشهد له بها بما له وعليه ، فعلامة الخائف الاشتغال بالتخلص مما يخاف فلا يزال خائفا حتى يتخلص ، فإذا تخلص مما يخاف اطمأن وسكن ، فهذه علامة الخائفين .

              وأما الراجي فإنه رجا الجنة وطلب نعيمها وملكها ، فأعطى القليل في طلب الكثير ، فبذل نفسه وخاف أن يسبقه أحد إليها ، فجد في البذل وتحرز من الدنيا ألا يقف غدا في الحساب فيسبق ، فهذه علامة الراجي .

              وأما العارف الذي طلب معرفة الله وقربه فإنه بذل ماله فأخرجه ثم نفسه فباعه ثم روحه فأباحه ، فلو لم تكن جنة ولا نار لما مال ولا زال ولا فتر ، فهذه علامة العارف .

              فانظروا الآن أيها العقلاء من أي القوم أنتم ؟ أموتى لا حياة فيكم ، أم لا موتى ولا أحياء ، أم أحياء حيوا بحياة الخلد ؟ ويحك إن الخائف حي بحياة واحدة ، وللراجي حياتان وللعارف ثلاث حياوات : وهي الحياة التي لا موت فيها ، فحياة الخائف إذا أمن من النار فقد حيي بحياة ، ثم يتم بحياة ثانية ويدخل الجنة بغير حساب ، والراجي أمن من العذاب ومن الحساب فمر إلى الجنة مع السابقين بغير حساب فصار له أمانان ، وأما العارف فصار له أمان من النار والأمان الثاني صار إلى الرحمن ، وصار الراجي إلى الجنة فسبق هو إلى الرحمن فصار له ثلاث حيوات ، فانظروا من أي القوم أنتم ؟ واسلكوا طريق العارفين ، ولا ترضوا لربكم بهدية الدون ، فبقدر ما تهدون تكرمون وتقربون وبقدر ما تقربون تنعمون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

              وقال : أول ما ينبغي للعبد أن يتخلق به ثلاثة أخلاق وفيها اكتساب للعقل : احتمال المئونة ، والرفق في كل شيء ، والحذر أن لا يميل في الهوى ولا مع الهوى ولا إلى الهوى ، ثم لا بد له من ثلاث أحوال أخر ، وفيها اكتساب العلم العالي ، والحلم والتواضع ، ثم لا بد له من ثلاثة أخر ، وفيها اكتساب المعرفة ، وأخلاق أهلها السكينة والوقار والصيانة والإنصاف ، ومن أخلاق الإسلام والإيمان الحياء ، وكف الأذى وبذل المعروف ، والنصيحة وفيها أحكام التعبد .

              وقال : أركان الدين أربعة : الصدق ، واليقين ، والرضا ، والحب ، فعلامة الصدق الصبر [ ص: 192 ] وعلامة اليقين النصيحة ، وعلامة الرضا ترك الخلاف ، وعلامة الحب الإيثار ، والصبر يشهد للصدق ، وقال : الجاهل ميت والناسي نائم والعاصي سكران ، والمصر ندمان " .

              سمعت أبا عمر عثمان بن محمد العثماني يقول : سمعت أبا بكر محمد بن يحيى بن أبي بدر يقول : سمعت أبا محمد سهل بن عبد الله يقول : " الانقطاع من الشهوات الخروج من الجهل إلى العلم ومن النسيان إلى الذكر ومن المعصية إلى الطاعة ، ومن الإصرار إلى التوبة " .

              قال : وسمعت أبا محمد سهل بن عبد الله يقول في قوله تعالى : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ) قال : من يتق الله في دعواه فلا يدعي الحول والقوة ويتبرأ من حوله وقوته ، ويرجع إلى حول الله وقوته ، يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ، ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) قال : لا يصح التوكل إلا لمتق ، ولا تتم التقوى إلا لمتوكل . لقوله تعالى : ( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ) قال : إن كنتم مصدقين أنه لا دافع ولا نافع غير الله لقوله تعالى : ( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم ) .

              قال : وسمعت أبا محمد يقول : أركان الدين النصيحة ، والرحمة ، والصدق ، والإنصاف ، والتفضل ، والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، والاستعانة بالله على ذلك إلى الممات .

              قال : وسمعت أبا محمد ، يقول : " دخل قوم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " من القوم ؟ " فقالوا : مؤمنون ، فقال : " إن لكل قول حقيقة فما حقيقة إيمانكم ؟ " قالوا : الشكر عند الرخاء ، والصبر عند البلاء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " فقهاء علماء كادوا من الفقه أن يكونوا أنبياء " ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا كان الأمر كما تقولون فلا تبنوا ما لا تسكنون ولا تجمعوا ما لا تأكلون ، واتقوا الله الذي إليه تصيرون " . قال أبو محمد : ففسروا " لا تبنوا ما لا تسكنون " يعني الأمل ، " ولا تجمعوا ما لا تأكلون " يعني الحرص " ، " واتقوا الله الذي إليه تصيرون " يعني المراقبة .

              حدثنا عثمان بن محمد ، ثنا العباس بن أحمد ، قال سهل بن عبد الله : " لا يفتح الله قلب عبد فيه ثلاثة أشياء : حب البقاء ، وحب الغنى ، وهم غد " .

              قال : [ ص: 193 ] وسئل سهل بن عبد الله : متى يستريح الفقير من نفسه ؟ قال : إذا لم ير وقتا غير الوقت الذي هو فيه .

              حدثنا عثمان بن محمد قال : سمعت محمد بن أحمد ، يقول : سمعت أصحابنا ، يقولون : إن أول ما حفظ من كلام سهل بن عبد الله أن قال : إن الله لم يبطل حسنات من أخذ الشهوات في هوى نفسه ، ولا منعهم من الحسنات بجوده وكرمه ، ولكن حرم عليهم أن يجدوا بقلوبهم شيئا مما يجده الصديقون بقلوبهم إلا في الضرورة من الحلال ، وذلك أن الله أعز وأغير من أن يعطي آخذ الشهوات شيئا من مواجد القلوب إلا في حال الضرورة ، قال : فقال له إبراهيم - كالمنكر عليه - : يا أخي ، أيش هذا ؟ فقال : حق لزمني ، قال : وما هو ؟ قال : مات ذو النون ، قال : متى ؟ قال : أمس .

              حدثنا أبو القاسم عبد الجبار بن شيراز بن زيد النهرجوطي - في كتابه - وحدثني عنه عثمان بن محمد العثماني قال : قال سهل بن عبد الله : لا تفتش عن مساوئ الناس ورداءة أخلاقهم ولكن فتش وابحث في أخلاق الإسلام ما حالك فيه ؟ حتى تسلم ويعظم قدره في نفسك وعندك .

              حدثنا عثمان بن محمد قال : قرئ على أبي الحسن أحمد بن محمد الأنصاري قال : سمعت محمد بن أحمد بن سلمة النيسابوري قال : سمعت أبا محمد سهل بن عبد الله يقول : قال الله لآدم : يا آدم إني أنا الله لا إله إلا أنا ، فمن رجا غير فضلي وخاف غير عدلي ، لم يعرفني ، يا آدم إن لي صفوة وضنائن وخيرة من عبادي ، أسكنتهم صلبك ، بعيني من بين خلقي ، أعزهم بعزي ، وأقربهم من وصلي ، وأمنحهم كرامتي ، وأبيح لهم فضلي ، وأجعل قلوبهم خزائن كتبي ، وأسترهم برحمتي ، وأجعلهم أمانا بين ظهراني عبادي ، فبهم أمطر السماء ، وبهم أنبت الأرض ، وبهم أصرف البلاء ، هم أوليائي وأحبائي ، درجاتهم عالية ، ومقاماتهم رفيعة ، وهممهم بي متعلقة ، صحت عزائمهم ودامت في ملكوت غيبي فكرتهم فارتهنت قلوبهم بذكري ، فسقيتهم بكأس الأنس صرف محبتي ، فطال شوقهم إلى لقائي ، وإني إليهم لأشد شوقا ، يا آدم من طلبني من خلقي وجدني ، ومن [ ص: 194 ] طلب غيري لم يجدني ، فطوبى يا آدم لهم ، ثم طوبى لهم ، ثم طوبى لهم وحسن مآب ، يا آدم هم الذين إذا نظرت إليهم هان علي غفران ذنوب المذنبين لكرامتهم علي ، قلت : يا أبا محمد ، زدنا من هذا الضرب رحمك الله فإنها ترتاح القلوب وتتحرك ، فقال : نعم ؛ إن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام : يا داود ، إذا رأيت لي طالبا فكن له خادما ، فكان داود يقول في مزاميره : واها لهم ، يا ليتني عاينتهم يا ليت خدي نعل موطئهم . ثم احمرت بعد أدمته أو اصفر لونه وجعل يقول : جعل الله نبيه وخليفته خادما لمن طلبه ، لو عقلت - وما أظنك تعقل - قدر أولياء الله وطلابه ولو عرفت قدرهم لاستغنمت قربهم ومجالستهم وبرهم وخدمتهم وتعاهدتهم .

              قال : وسمعت سهل بن عبد الله ، يقول : إذا خلا العبد من الدنيا وهرب من نفسه إلى الله وسقط من قلبه أثر الخلائق ، لم يعجبه شيء ولم يسكن إلى شيء غير الله قط ، فالله مؤنسه ومؤدبه وكالئه وحافظه وجليسه وأنيسه ، إياه يناجي ، وله ينادي ، وبه يستأنس ، وإليه يرغب ، وإليه يستريح ، قال الله جل ذكره : طوبى لمن خلقته فعرفني ، ودعوته فأجابني ، وأمرته فأطاعني ، ورزقته فحمدني ، وأعطيته فشكرني ، وابتليته فصبر لي ، وعافيته فذكرني ومدحني .

              سمعت عثمان بن محمد ، يقول : سمعت أبا محمد بن صهيب يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : الدنيا كلها جهل إلا العلم فيها ، والعلم كله وبال إلا العمل به ، والعمل كله هباء منثور إلا الإخلاص فيه ، والإخلاص فيه أنت منه على وجل حتى تعلم هل قبل أم لا ؟ .

              قال : وسمعت سهلا يقول : شكر العلم العمل ، وشكر العمل زيادة العلم .

              حدثنا عثمان بن محمد العثماني قال : سمعت أبا محمد بن صهيب يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : ما من قلب ولا نفس ، إلا والله مطلع عليه في ساعات الليل والنهار ، فأيما قلب أو نفس رأى فيه حاجة إلى سواه سلط عليه إبليس .

              قال : وسمعت سهلا يقول : الله قبلة النية ، والنية قبلة القلب ، والقلب قبلة البدن ، والبدن قبلة الجوارح ، والجوارح قبلة الدنيا .

              [ ص: 195 ] سمعت أبا الحسن أحمد بن محمد بن مقسم يقول : سمعت أبا بكر بن المنذر الهجيمي يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : من ظن أنه يشبع من الخبز جاع .

              قال : وسمعت سهلا يقول : البطنة أصل الغفلة .

              قال : وسمعت سهلا يقول : لا يكون العبد مقيما على معصية إلا وجميع حسناته ممزوجة بالهوى لا تخلص له حسناته وهو مقيم على سيئة واحدة ، ولا يتخلص من هواه حتى يخرج من جميع ما يعرف من نفسه مما يكرهه الله .

              قال : وسمعت سهلا يقول ، وسئل عن معنى قوله تعالى : ( واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ) قال : لسانا ينطق عنك لا ينطق عن غيرك .

              قال : وسمعت سهلا يقول : إذا جنك الليل فلا تأمل النهار حتى تسلم ليلتك لك ، وتؤدي حق الله فيها وتنصح فيها لنفسك ، فإذا أصبحت فكذلك .

              قال : وسمعت سهلا يقول : الصبر في الدنيا صنفان : أهل الدنيا يصبرون للدنيا حتى ينالوا منها ، وأهل الآخرة يصبرون على آخرتهم حتى ينالوا منها .

              قال : وسمعت سهلا يقول : لا يكمل للعبد شيء حتى يصل علمه بالخشية ، وفعله بالورع ، وورعه بالإخلاص ، وإخلاصه بالمشاهدة ، والمشاهدة بالتبرؤ مما سواه .

              سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول : سمعت أبا الحسن النحاس - جارنا - يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : الفترة غفلة ، والخشية يقظة ، والقسوة موت .

              سمعت أبا الحسن يقول : سمعت محمد بن المنذر يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : من طعن في التوكل فقد طعن في الإيمان ، ومن طعن في التكسب فقد طعن في السنة .

              سمعت أبي يقول : سمعت أبا بكر الجوربي يقول : سئل سهل بن عبد الله عن البلوى من الله للعبد قال : هو كاسمه ، هو عبد والعبد لله والله للعبد ، وإذا كان من العبد حدث فهو ثالث وهو حجاب ، فالعبد مبتلى بالله وبنفسه ، وقال سهل : أربعة للعباد على الله وهو حكم بها على نفسه ، أولها : من خاف الله أمنه الله ، ومن رجاه بلغ به رجاءه وأمله ، ومن تقرب إليه بالحسنات قبل منه وأثابه للواحدة عشرا ، ومن توكل عليه قبله ولم يكله إلى نفسه وتولى أمره ، وقيل : أي العمل [ ص: 196 ] يعمل حتى يعرف عيوب نفسه ؟ قال : لا يعرف عيوب نفسه حتى يحاسب نفسه في أحواله كلها ، قيل : فأي منزلة إذا قام العبد بها أقام مقام العبودية ؟ قال : إذا ترك التدبير ، قيل : فأي منزلة إذا قام بها أقام الصدق ؟ قال : إذا توكل عليه فيما أمره به ونهاه عنه .

              سمعت أبي يقول : سمعت أبا بكر يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : البلوى من الله على جهتين : فبلوى رحمة وبلوى عقوبة ، فبلوى رحمة يبعث صاحبها على إظهار فقره وفاقته إلى الله وترك تدبيره ، وبلوى عقوبة يترك صاحبها على اختياره وتدبيره وقيل : مثل الابتلاء مثل المرض والسقم ، يمرض الواحد مائة سنة فلا يموت فيه ، ويمرض آخر ساعة واحدة فيموت فيه ، كذلك يعصي الله عبد مائة سنة فيختم له بخير وينجو ، وآخر يتكلم بكلمة معصية في ساعة فيجره إلى الكفر فيهلك ، فمن ذلك عظم الخطر ودام الجد واشتد البلاء . وقال : الغضب أشد في البدن من المرض ; إذا غضب دخل عليه من الإثم أكثر مما يدخل عليه في المرض .

              قال : وسمعت سهلا يقول : قال الله تعالى : كل نعمة مني عليكم إذا عرفتموها صيرتها لكم شكرا ، وكل ذنب كان منكم إذا عرفتموه صيرته غفرانا . وقال : ليس في خزائن الله أكبر من التوحيد .

              وقال سهل بن عبد الله : تربة المعاصي الأمل ، وبذرها الحرص ، وماؤها الجهل ، وصاحبها الإصرار ، وتربة الطاعة المعرفة ، وبذرها اليقين ، وماؤها العلم ، وصاحبها السعيد المفوض أموره إلى الله تعالى . وقال : من ظن ظن السوء حرم اليقين ، ومن تكلم فيما لا يعنيه حرم الصدق ، ومن اشتغل بالفضول حرم الورع ، فإذا حرم هذه الثلاثة هلك وهو مثبت في ديوان الأعداء . وقال : لا يطلع على عثرات الخلق إلا جاهل ، ولا يهتك ستر ما اطلع عليه إلا ملعون وقال : من خدم خدم ، ومعناه من ترك التدبير والاختيار وفق ومن لم يوفق لم يترك التدبير ؛ فإن الفرج كله في تدبير الله لنا برضاه ، والشقاء كله في تدبيرنا ، ولا نجد السلامة حتى نكون في التدبير كأهل القبور . وقال : لسان الإيمان التوحيد ، وفصاحته العلم وصحة بصره اليقين مع العقل . [ ص: 197 ] وقال : النية اسم الأسامي ، والطاعات أسامي ، والنية الإخلاص ، وكما يثبت حكم الظاهر بالفعل كذلك يثبت حكم السر بالنية ، ومن لا يعرف نيته لا يعرف دينه ، ومن ضيع نيته فهو حيران ، ولا يبلغ العبد حقيقة علم النية حتى يدخله الله في ديوان أهل الصدق ويكون عالما بعلم الكتاب وعلم الآثار وعلم الاقتداء وقال : المؤمن من راقب ربه وحاسب نفسه وتزود لمعاده . وقال : الهجرة فرض إلى يوم القيامة : من الجهل إلى العلم ومن النسيان إلى الذكر ومن المعصية إلى الطاعة ، ومن الإصرار إلى التوبة وقال : من اشتغل بما لا يعنيه نال العدو منه حاجته في يقظته ومنامه . وقال : ألم أقل لك دع دنياك عند أعدائك وضع سرك عند أحبائك ؟ وقال : ليس من عمل بطاعة الله صار حبيب الله ، ولكن من اجتنب ما نهى عنه الله صار حبيب الله ، ولا يجتنب الآثام إلا صديق مقرب ، وأما أعمال البر يعملها البر والفاجر .

              سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول : سمعت أبا بكر محمد بن المنذر الهجيمي يقول : قال سهل بن عبد الله : الخلق كلهم بالله يأكلون وفي عبادته ، غيره يشركون .

              قال : وسئل سهل عن العقل ، فقال : احتمال المئونة والأذى من الخلق .

              وقال سهل : من دق الصراط عليه في الدنيا عرض عليه في الآخرة ، ومن عرض عليه الصراط في الدنيا دق له في الآخرة . قال : وربما قال : لله في الخبز سر ، وسألت عنه أكثر من عشرة آلاف عابد وعابدة فما أحد منهم أخبرني بسر الخبز .

              سمعت أبا الحسن يقول : سمعت محمد بن المنذر يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول وسأله رجل فقال : يا أبا محمد إلى من تأمرني أن أجلس ؟ فقال له : إلى من تكلمك جوارحه لا من يكلمك لسانه .

              قال : وسمعت سهل بن عبد الله يقول : من تخلى عن الربوبية وأفرد الله بها واعترف بالعبودية وعبد الله بها استحق من الله الملك الأعظمفي حياة الأبد ، ومن نازع الله ربوبيته قصمه الله ، ألا ترى أنهم يحبون الغنى والله هو الغني وهم الفقراء ، ويحبون الأمر والنهي والله تعالى يقول : ( ألا له الخلق والأمر ) ويحبون البقاء والله تعالى [ ص: 198 ] يقول : ( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ) ويحبون الدنيا والله يبغضها ، ويريدونها والله لا يريدها ، فهم ينازعون الله الربوبية ، ويعادونه فيما أحب .

              قال سهل : والأمل أرض كل معصية ، والحرص بذر كل معصية ، والتسويف ماء كل معصية ، والندم أرض كل طاعة ، واليقين بذر كل طاعة ، والعمل ماء كل طاعة ، وبقدر ما تهدم من دنياك تبني لآخرتك ، وبقدر ما تخالف نفسك وهواك وشهوتك ترضي مولاك ، وبقدر ما تعرف عدوك وعداوته - يعني إبليس - تعرف ربك .

              قال : وسمعت سهل بن عبد الله يقول : من كان عمله لله جلا ذلك عن قلبه ذكر كل شيء سوى الله ، قال : وسمعته يقول : إن الناس دخلوا الجنة بالعمل فاجتهدوا أن تدخلوها بترك العمل ، وسئل عن حقيقة التوكل فقال : نسيان التوكل .

              قال : وسمعت سهل بن عبد الله يقول : إن الله أجاع الخلق فطلبوا من البعد فمنعهم إياه من القرب ، وسمعته يقول : لزوم الباب طلب العبد إلى مولاه أن يثبته على الإيمان ويقبضه عليه .

              سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول : سمعت أبا الفضل الشيرجي جعفر بن أحمد يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول وسئل عن قوله : ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) ظاهره الفعال وباطنه الحب له .

              قال : وسمعت سهلا يقول : إن الله تعالى لا ينسب إلى الجهل في الأصل ، ولا ينسب إلى الظلم من الفرع ، ولا غنى بنا عنه فيما بين طرفة عين ولا أقل .

              حدثنا محمد بن الحسين بن موسى قال : سمعت أبا الحسن الفارسي يقول : سمعت عباس بن عصام يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : لا معين إلا الله ، ولا دليل إلا رسول الله ، ولا زاد إلا التقوى ، ولا عمل إلا الصبر عليه .

              وقال سهل : العيش على أربعة أوجه : عيش الملائكة في الطاعة ، وعيش الأنبياء في العلم وانتظار الوحي ، وعيش الصديقين في الاقتداء ، وعيش سائر الناس - عالما كان أو جاهلا ، زاهدا كان أو عابدا - في الأكل والشرب .

              وقال سهل : الضرورة للأنبياء ، والقوام للصديقين ، والقوت للمؤمنين ، والمعلوم للبهائم ، والآيات والمعجزات للأنبياء ، والكرامات للأولياء ، والمعونات للمريدين ، والتمكين [ ص: 199 ] لأهل الخصوص ، ومن خلا قلبه من ذكر الآخرة تعرض لوساوس الشيطان .

              سمعت أبي يقول : سمعت خالي أحمد بن محمد بن يوسف يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : كفى الله العباد دنياهم فقال عز من قائل : ( أليس الله بكاف عبده ) واستعبدهم بالآخرة فقال ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ) .

              وسمعت سهلا يقول : أول العيش في ثلاث : اليقين والعقل والروح ، وقال : ( وإياي فاتقون ) موضع العلم السابق وموضع المكر والاستدراج ( وإياي فارهبون ) ، موضع اليقين ومعرفته ، وقال : على قدر قربهم من التقوى أدركوا اليقين ، وأصل اليقين مباينة النهي ، ومباينة النهي مباينة النفس ، فعلى قدر خروجهم من النفس أدركوا اليقين ، وتتفاضل الناس في القيامة على قدر يقينهم ، فمن كان أوزن يقينا كان من دونه في ميزانه ، ومن لم يكن تعبده لله كأنه يراه أو يعلم أنه يراه ، فهو غافل عن الله ، وعلى قدر مشاهدته يتعرف الابتلاء وعلى قدر معرفته بالابتلاء يطلب العصمة ، وعلى قدر طلبه العصمة يظهر فقره وفاقته إلى الله ، وعلى قدر فقره وفاقته يتعرف الضر والنفع ويزداد علما وفهما وبصرا .

              وقال سهل : ثلاثة أشياء احفظوها مني وألزموها أنفسكم : لا تشبعوا ولا تملوا من عملكم فإن الله شاهدكم حيثما كنتم ، وأنزلوا حاجتكم به وموتوا ببابه . وقال : شيئان يذهبان خوف الله من قلب العبد : أصل الدعوى والمعصية ، وصاحب المعصية إذا خوفته واحتججت عليه بالإيمان ينقاد ويخضع ويقر بالخوف ، وصاحب الدعوى لا يقر بالحق ولا ينقاد للخوف ألبتة ، ولا يوجد قلب أخلى من الخير ولا أقصى ولا أبعد من خوف الله من قلب المدعي . وقال : أصل الهلاك الدعوى وأصل الخير الافتقار . وقال : حكم المدعي أنه تصحبه هذه الثلاثة الخصال : تصحبه التزكية لنفسه وقد نهي عن ذلك ، وجهله بنعم الله عليه ، وجهله بحاله .

              حدثنا عثمان بن محمد قال : قرئ على أبي الحسن أحمد بن محمد بن عيسى ، سمعت أبا عبد الله محمد بن أحمد بن سلمة النيسابوري يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : استجلب حلاوة الزهد بقصر الأمل ، واقطع أسباب الطمع [ ص: 200 ] بصحة اليأس ، وتعرض لرقة القلب بمجالسة أهل الذكر ، واستجلب نور القلب بدوام الحذر ، واستفتح باب الحزن بطول الفكر ، وتزين لله بالصدق في كل الأحوال ، وتحبب إلى الله بتعجيل الانتقال ، وإياك والتسويف فإنه يغرق فيه الهلكى ، وإياك والغفلة فإن فيها سواد القلب ، وإياك والتواني فيما لا عذر فيه فإنها ملجأ النادمين ، واسترجع سالف الذنوب بشدة الندم وكثرة الاستغفار ، واستجلب زيادة النعم بعظيم الشكر ، واستدم عظيم الشكر بخوف زوال النعم .

              حدثنا عثمان بن محمد قال : قرئ على أبي الحسن ، قال يوسف بن الحسين : سئل سهل بن عبد الله : أي شيء أشق على إبليس ؟ قال : إشارة قلوب العارفين ، وأنشد :


              قلوب العارفين لها عيون ترى ما لا يراه الناظرونا

              .

              حدثنا عثمان بن محمد ، قال العباس بن أحمد : سئل : سهل متى يستريح الفقير من نفسه ؟ قال : إذا لم ير وقتا غير الوقت الذي هو فيه .

              حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الرحمن الغزالي الأصبهاني بالبصرة ، ثنا علي بن أحمد بن نوح الأهوازي قال : سمعت سهل بن عبد الله يقول : خلق الله الخلق ليسارهم ويساروا الخلق ، فإن لم تفعلوا فناجوني وحدثوني ، فإن لم تفعلوا فاسمعوا مني ، فإن لم تفعلوا فانظروا إلي ، فإن لم تفعلوا فكونوا ببابي وارفعوا حوائجكم ، فإني أكرم الأكرمين .

              وقال سهل : طلب العلم فريضة على كل مسلم ، قال : علم حاله في الحركة والسكون ، إن أتاه الموت أي شيء حاله فيما بينه وبين الله ؟ لأن الله هو المنعم ، فكيف شكره للمنعم ؟ وأدنى ما يجب للرب على العباد ألا يعصوه فيما أنعم عليهم ، وكيف حاله فيما بينه وبين الخلق ؟ على أي جهة ؟ على الرحمة والنصيحة أم على المكر والخديعة ؟ وقال : من أصبح وهمه ما يأكل ولم يكن همه هم قبره وحال لحده ، لو ختم البارحة القرآن ويصلي اليوم خمسمائة ركعة ، أصبح في يوم مشئوم عليه لهمة بطنه . وقال تعالى : ( يعلم ما في أنفسكم فاحذروه ) قال : ما في غيبكم لم تفعلوه ستفعلونه فاحذروه ، قال : فاصرخوا إليه حتى يكون هو الذي يلي الأمر وهو الذي يصلح الشأن ، وهو الذي يعصم ، وهو الذي يوفق ، وهو الذي يختم بخير [ ص: 201 ] وقوله عز وجل : ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) قال : ألا نافع ولا دافع غير الله .

              سمعت أبي يقول : سمعت أبا بكر الجوني يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : معرفة النفس أخفى من معرفة العدو ، ومعرفة العدو أجلى من معرفة الدنيا ، وقال : إذا عرف العدو عرف ربه ، وإذا عرف نفسه عرف مقامه من ربه ، وإذا عرف عقله عرف حاله فيما بينه وبين ربه ، وإذا عرف العلم عرف وصوله ، وإذا عرف الدنيا عرف الآخرة ، وقال : هي نعمة ومصيبة ، فالنعمة ما دعا الله الخلق إليه من معرفته ، والمصيبة ما ابتلاهم في أنفسهم ومخالفتها ، وقال : لله ثلاثة أشياء في خلقه : المعرفة والإحسان والحكم ، وثلاثة للعبد مع الله : تضعيف الحسنات والعفو عن السيئات ، ولا تضعف عليهم ، وفتح باب التوبة إلى الممات . وقال : ليس لأهل المعرفة همة غير هذه الثلاثة إذا أصلحوا : الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، والاستعانة بالله سبحانه وتعالى ، والاقتداء هو الافتقار والصبر على ذلك إلى الممات . وقال : الأصل الذي أنا أدعو إليه قولي : اتقوا يوما لا ليلة بعده وموتا لا حياة بعده ، والسلام . وقال : النفس صنم ، والروح شريك ، فمن عبد نفسه فقد عبد صنما ، ومن عبد روحه عبد شريكا ، ومن آثر الله وعبده بالإخلاص وهدم دنياه وعبد الله في روحه ومع روحه فقد عبد الله وآثره ، وقال : الأنفاس معدودة ، فكل نفس يخرج بغير ذكر الله فهي ميتة ، وكل نفس يخرج بذكر الله فهي موصولة بذكر الله .

              أخبرني جعفر بن محمد بن نصير الخلدي ، فيما كتب إلي قال : سمعت أبا محمد الجريري يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : من أخلاق الصديقين ألا يحلفوا بالله لا صادقين ولا كاذبين ، ولا يغتابون ولا يغتاب عندهم ، ولا يشبعون بطونهم ، وإذا وعدوا لم يخلفوا ، ولا يتكلمون إلا والاستثناء في كلامهم ، ولا يمزحون أصلا .

              قال : وسمعت سهلا يقول : ذروا التدبير والاختيار فإنهما يكدران على الناس عيشهم .

              وقال سهل : اعلموا أن هذا زمان لا ينال أحد فيه النجاة إلا بذبح نفسه بالجوع والصبر والجهد لفساد ما عليه أهل الزمان .

              [ ص: 202 ] حدثنا محمد بن الحسن قال : سمعت أبا الحسين الفارسي يقول : سمعت أبا يعقوب البلدي يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : لقد أيس العقلاء الحكماء من هذه الثلاثة الخلال : ملازمة التوبة ، ومتابعة السنة ، وترك أذى الخلق .

              حدثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن شاهين الواعظ قال : قرأت على جعفر بن محمد بن يعقوب الثقفي : سمعت أبا محمد سهل بن عبد الله يقول : ما من نعمة إلا والحمد أفضل منها ، والنعمة التي ألهم بها الحمد أفضل من النعمة الأولى ; لأن بالشكر يستوجب المزيد .

              قال : وسمعت سهلا يقول : أول الحجاب الدعوى ، فإذا أخذوا في الدعوى حرموا .

              أخبرنا عبد الجبار بن شيراز - في كتابه - وحدثني عنه عثمان بن محمد العثماني قال : سمعت سهل بن عبد الله يقول : من نظر إلى الله قريبا منه بعد عن قلبه كل شيء سوى الله ، ومن طلب مرضاته أرضاه الله ومن أسلم قلبه تولى الله جوارحه .

              وقال سهل : ما من أحد يسر الله له شيئا من العبادة إلا فرغه لتلك العبادة ، ولا فرغ الله أحدا إلا أسقط عنه مؤنة الرزق من أين يأخذه ، وإلا جعل له مقاما عنده وجعل هذا العبد يؤثره في كل حال وعلى كل حال ، وما من عبد آثر الله إلا سلمه من الدنيا ولم يكله إلى غيره .

              سمعت أبا الحسن بن جهضم يقول : حدثني طاهر بن الحسن قال : سمعت إبراهيم البرجي يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : ما أظهر عبد فقره إلى الله في وقت الدعاء في شيء يحل به ، إلا قال الله لملائكته : لولا أنه لا يحتمل كلامي لأجبته : لبيك .

              سمعت أبا الحسن يقول : ثنا أبو بكر الدينوري قال : سمعت سهل بن عبد الله يقول : المؤمن أكرم على الله من أن يجعل رزقه من حيث يحتسب ، يطمع المؤمن في موضع فيمنع من ذلك ويأتيه من حيث لا يحتسب .

              سمعت أبي يقول : سمعت خالي أبا بكر أحمد بن محمد بن يوسف يقول : قال سهل بن عبد الله : لا يصح الإخلاص إلا بترك سبعة : الزندقة والشرك والكفر [ ص: 203 ] والنفاق والبدعة والرياء والوعيد ، وقال : الأكل خمسة : الضرورة والقوام والقوت والمعلوم والفقر ، والسادس لا خير فيه وهو التخليط ، ومن لم يهتم للرزق سلم من الدنيا وآفاتها . وقال : ابتداء اليقين المكاشفة ؛ لقوله : لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ، ثم المعاينة ، ثم المشاهدة . وقال : اليقين نار ، والإقرار باللسان فتيله والعمل زيته . وقال : من سعادة المرء قلة المئونة وتخفيف الحال وتسهيل الصلوات ووجدان لذة الطاعة . وسئل عن ذكر اللذات ، قال : إذا امتلأ القلب صار روحا ، وقال : من لم يمازج بره بالهوى شاهد قلبه وخلص عمله ، وقال : طوبى لعبد أسر نفسه بعلمه بأن الله يشاهده بالاستماع منه ، فوقع بصره على مقامه من إيمانه حتى استمكن مقامه من القرب منه ، وأوصل علمه وصير لسانه رطبا بذكره وأخدم جوارحه حتى أدركه المدد من ربه وسئل بم يعرف العبد عقله ؟ قال : إذا كان وقافا عند همومه حينئذ يعرف عقله ولا يعرف ولا يستكمل إلا بعد هذا . وقال : أصل العقل الصمت ، وفرع العقل العافية وباطن العقل كتمان السر ، وظاهره الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم . وقال : الإيمان بالفرائض وعلمها فرض ، والعمل بها فرض والإخلاص فيها فرض والإيمان بالسنن فرض بأنها سنة وعلمها سنة ، والعمل بها سنة والإخلاص فيها فرض ، والإخلاص بالإيمان العمل به ، وقال : المؤمنون الذين وعدهم الله الجنة على ثلاثة مقامات : واحد آمن وليس له عمل فله الجنة ، وآخر آمن وليس له إثم وعمل صالحا ، وهذا في صفة ( قد أفلح المؤمنون ) والثالث آمن ، ثم أذنب ، ثم تاب وأصلح فهو حبيب الله فله الجنة ، والرابع آمن وأحسن وأساء ، يتبين لهم عند الموازنة ، ولله تعالى فيهم مشيئة . وقال : لا يخرجنكم تنزيه الله إلى التلاشي ، ولا يخرجنكم التشبيه إلى الجسد ، الله يتجلى لهم كيف شاء . وقال : ليس لقول لا إله إلا الله ، ثواب إلا النظر إلى الله عز وجل ، والجنة ثواب الأعمال ، وقال : أول الحق الله ، وآخر الحق ما يراد به وجه الله .

              سمعت أبا عمرو عثمان بن محمد العثماني يقول : سمعت أبا محمد بن صهيب يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : لا يذنب المؤمن ذنبا حتى يكتسب معه [ ص: 204 ] مائة حسنة ، فقيل : يا أبا محمد ، وكيف هذا ؟ قال : نعم يا دوست إن المؤمن لا يكتسب سيئة إلا وهو يخاف العقوبة عليها ولو لم يكن كذلك لم يكن مؤمنا ، وخوفه العقاب عليها حسنة ويرجو غفران الله لها ، ولو لم يكن هكذا لم يكن مؤمنا ، ورجاؤه لغفرانها حسنة ، وهو يرى التوبة منها ، ولو لم يرها لم يكن مؤمنا ، ورؤيته التوبة منها حسنة ، ويكره الدلالة عليها ولو لم يكره الدلالة عليها لم يكن مؤمنا ، وكراهة الدلالة عليها حسنة ، ويكره الموت عليها ولو لم يكره الموت عليها لم يكن مؤمنا ، وكراهته للموت عليها حسنة ، فهذه خمس حسنات وهي بخمسين حسنة ، الحسنة بعشر أمثالها لقوله تعالى ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ) فهذه تصير مائة حسنة ، فما ظنكم بسيئة تعتورها مائة حسنة وتحيط بها ، والله تعالى يقول : ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) وما ظنكم بثعلب بين مائة كلب ؟ أليس يمزقونه ؟ ثم بكى سهل ، وقال : لا تحدثوا بهذا الجهال من الناس فيتكلوا ويغتروا ؛ فإن هذه السيئة هي شيء عليه وحسناته هي أشياء له ، وما عليه فلله أن يأخذه به ويكون عادلا بعقوبته عليه ، وما له لا يظلمه الله عز وجل بل يوفيه ثوابه وإن كان بعد حين ، ومن يصبر على حر نار جهنم ساعة واحدة ؟ ولكن بادروا بالتوبة من هذه السيئة حتى تأمنوا العقوبة وتصيروا أحباب الله فإن الله يحب التوابين .

              قال : وسمعت سهل بن عبد الله يقول : إن الأمراض والأسقام والأحزان والمصائب إنما هي كفارات للصغائر ، وأما الكبائر فلا يسقطها إلا التوبة ، ومثله كمثل حبر يصيب الثوب فلا يقلعه إلا الصابون الحاد والمعالجات بالخل والأشنان وغيره ، ومثل الصغائر كمثل قليل دبس يصيب الثوب فيذهبه الريق وقليل من الماء ، فقيل : يا أبا محمد ، أليس قد روي أن المصائب كفارات وأجر ؟ فضحك وقال : يا دوست إن المصائب إذا ضم إليها الصبر والاحتساب تكون كفارة وأجرا كلاهما ، فأما إذا لم يصبر عليها ولم يحتسبها تكون كفارات وحططا لا أجر فيها ولا ثواب . وبيان ذلك أن المصائب فعل غيرك ولا تثاب على فعل غيرك ، وصبرك واحتسابك فعل لك فتؤجر وتثاب .

              [ ص: 205 ] حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الرحمن الأصبهاني الغزال بالبصرة ، ثنا أبو بشر عيسى بن إبراهيم بن دستكوثا قال : قال سهل بن عبد الله : الحب هو الخوف ; لأن الكفار أحبوا الله فصار حبهم أمنا ، وصار حب المؤمنين الخوف .

              أخبرنا عبد الجبار بن شيراز ، فيما كتب إلي ، وحدثني عنه ، عثمان بن محمد العثماني قال : سمعت سهل بن عبد الله يقول : أصل الدنيا الجهل ، وفرعها الأكل والشرب واللباس والطيب والنساء والمال والتفاخر والتكاثر ، وثمرتها المعاصي ، وعقوبة المعاصي الإصرار ، وثمرة الإصرار الغفلة ، وثمرة الغفلة الاستجراء على الله . وقال : أيما عبد لم يتورع ولم يستعمل الورع في عمله انتشرت جوارحه في المعاصي ، وصار قلبه بيد الشيطان وملكه ، فإذا عمل بالعلم دله على الورع فإذا تورع صار القلب مع الله ، وقال : العلم دليل ، والعقل ناصح ، والنفس بينهما أسير ، والدنيا مدبرة ، والآخرة مقبلة ، والعدو في ذلك منهزم فيصير العبد عند الله خالصا ، وإنما سموا ملوكا ; لأنهم ملكوا أنفسهم فقهروها واقتدروا عليها فغلبوها وظفروا بها فأسروها فالعارفون مالكون لأنفسهم مستظهرون عليها ، والغافلون قد ملكتهم أنفسهم واستظهرت عليهم بتلوين أهوائها وبلوغ محابها ومناها في الأقوال والأحوال وسائر الأفعال ، ولا يفلت من أسر نفسه وخدعتها وسلطانها وغلبة هواها إلا من عرف نفسه ، فإذا عرف نفسه على حقيقة معرفتها عرف باريه جل جلاله ، فإذا عرف نفسه ألزمته معرفتها شريطة العبودية بحق الربوبية ، وإعطاء الوحدانية حقها .

              أخبرنا جعفر بن محمد بن نصير - في كتابه - وحدثني عنه أبو الحسن ابن جهضم ، قال : حدثني أبو الفضل الشيرجي ، قال : سمعت سهل بن عبد الله يقول : إن الله يطلع على أهل قرية أو بلد فيريد أن يقسم لهم من نفسه قسما فلا يجد في قلوب العلماء ولا في قلوب الزهاد موضعا لتلك القسمة من نفسه ، فيمن عليهم أن يشغلهم بالتعبد عن نفسه .

              [ ص: 206 ] أخبرنا عبد الجبار بن شيراز - في كتابه - وحدثني عنه أبو الحسن بن جهضم قال : سمعت سهل بن عبد الله يقول : تظهر في الناس أشياء ينزع منهم الخشوع بتركهم الورع ، ويذهب منهم العلم بإظهار الكلام ، ويضيعون الفرائض باجتهادهم في النوافل ، ويصير نقض العهود وتضييع الأمانة وارتفاعها من بينهم علما ، ويرفع من بين المنسوبين إلى الصلاح في آخر الزمان علم الخشية وعلم الورع وعلم المراقبة ، فيكون بدل علم الخشية وساوس الدنيا ، وبدل علم الورع وساوس العدو ، وبدل علم المراقبة حديث النفس ووساوسها ، قيل : ولم ذلك يا أبا محمد ؟ قال : تظهر في القراء دعوى التوكل والحب والمقامات ، ترى أحدهم يصوم ويصلي عشرين سنة ، وهو يأكل الربا ، ولا يحفظ لسانه من الغيبة ولا عينه وجوارحه مما نهى الله عنه .

              سمعت أبي رحمه الله تعالى ، قال : سمعت خالي أحمد بن محمد بن يوسف يقول : قال سهل بن عبد الله : أخلاق الإسلام والإيمان الحياء وكف الأذى وبذل المعروف والنصيحة وفيها أحكام التعبد .

              وقال : الدنيا ثلاثة : عبيد ورجال وفتيان ، قوله تعالى : ( وعباد الرحمن ) و ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع ) ( إنهم فتية آمنوا بربهم ) ( سمعنا فتى يذكرهم ) . وقيل له : ما انشراح القلوب ؟ قال : قبول الوحي ( فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ) وهم المدعون الذين يدعون الحول والقوة والمشيئة والإرادة ، ويدعون الاستغناء عن الله ، والقلب يجول ، فإذا قلت الله وقف ، والمحمود من الدنيا المساجد شاركنا فيها الملائكة ، والمذموم البطن والفرج شاركنا فيها أهل الذمة .

              يقول الله تعالى : يا عبدي لا تذنب ، يقول العبد : لا بد لي . يقول الله : فإذا أذنبت فتب إلي حتى أقبلك . قال العبد : لا أفعل ; لأن الأصل هو البطن والفرج . قال الرب : فكن مكانك حتى أجيئك . قال العبد : بأي شيء تجيء إلي ؟ قال : بالجوع والفقر والعري . وقال : خلق الله الإنسان على أربع طبائع : طبع البهائم وطبع الشياطين وطبع السحرة وطبع الأبالسة . فمن طبع البهائم البطن والفرج قوله : ( ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ) الآية . وطبع الشياطين اللهو واللعب والزينة والتكاثر [ ص: 207 ] والتفاخر ، قوله تعالى : ( لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد ) ومن طبع السحرة المكر والخديعة ( ويمكرون ويمكر الله ) ( يخادعون الله وهو خادعهم ) ومن طبع الأبالسة الإباء والاستكبار قوله تعالى : ( إلا إبليس أبى واستكبر ) . واستعبد الله العباد بالتسبيح والتقديس والتحميد والشكر حتى يسلموا من طبع الشياطين اللهو واللعب . يقول في كتابه : ( إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون ) . وقوله : ( يسبحون الليل والنهار لا يفترون ) . ومن طبع السحرة استعبدهم الله بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم بالنصيحة والرحمة والصدق والإنصاف والتفضيل والاستعانة بالله والصبر على ذلك إلى الممات . ومن طبع الأبالسة استعبدهم الله بالدعاء والصراخ والتضرع والالتجاء ( قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ) . يسلم به العباد إذ يعتصمون به . وقوله : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) ( ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم ) . حتى يسلموا من طبع الأبالسة . وقال : معرفة وإقرار وإيمان وعمل وخوف ورجاء وحب وشوق وجنة ونار . فالمعرفة خوف والإقرار رجاء والإيمان خوف والعمل رجاء والخوف رهبة ، والحب رجاء والشوق خوف بعد . وقال : هي نعمة ومصيبة ، فالنعمة ما دعا الله الخلق إليه من معرفته والمصيبة ما ابتلاهم في أنفسهم ومخالفتها . وقال : الله معنا قريب إلينا ، فلا بد لنا من أن نكون معه - نؤثره ونطيعه - فيكون إيثارنا له صدقنا بعلمنا فيه . وقال : العاصون يعيشون في رحمة العلم ، والمطيعون يعيشون في رحمة القرب . وقال : ما خلق الله الخلق لأنفسهم ولا لغيرهم ، إنما خلقهم إظهارا لملكه ، والملك لا يكون إلا بتول وتبر . فقال : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) . وقال : لا بد للخلق أن يعبدوا شيئا ، فمن لا يعبد الله فلا بد له من عبادة شيء ، ومن لا يطيع الله فلا بد له من أن يطيع شيئا ، ومن لم يتول الله فلا بد له من أن يتولى شيئا غير الله . وكذلك جميع الأشياء ، لذلك خلقهم . وقال : ليس وراء الله منتهى ، قال : نهاية ينتهي إليه ، وقال : ليس له وراء وليس وراء الله وراء ، هو وراء كل شيء جل الله وعز شأنه . [ ص: 208 ] سمعت محمد بن الحسن بن علي قال : سمعت أحمد بن محمد بن سالم يقول : كنت عند سهل بن عبد الله ، ودخل عليه رجل وقال : يا أستاذ ، أي شيء القوت ؟ قال : الذكر الدائم ، قال الرجل : لم أسألك عن هذا إنما سألتك عن قوام النفس ، فقال : يا رجل ، لا تقوم الأشياء إلا بالله ، فقال الرجل : لم أعن هذا سألتك عما لا بد منه ، فقال : يا فتى لا بد من الله .

              سمعت محمد بن الحسين بن موسى يقول : سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن شاذان يقول : سمعت محمد بن سالم يقول : سئل سهل بن عبد الله عن سر النفس ، فقال : للنفس سر ، ما ظهر ذلك السر على أحد من خلقه إلا على فرعون ، فقال : أنا ربكم الأعلى ، ولها سبعة حجب سماوية ، وسبعة حجب أرضية فكلما يدفن العبد نفسه أرضا سما قلبه سماء ، فإذا دفنت النفس تحت الثرى وصل القلب إلى العرش .

              قال : وسمعت سهلا يقول : القلب رقيق يؤثر فيه الشيء اليسير فاحذروا عليه من الخطرات المذمومة فإن أثر القليل عليه كثير .

              قال : وسمعت سهلا يقول : كل شيء دون الله فهو وسوسة .

              قال : وسئل سهل عن قوله : من عرف نفسه فقد عرف ربه ، قال : من عرف نفسه لربه عرف ربه لنفسه .

              سمعت أبي يقول : سمعت أبا بكر الجوربي يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : الطهارة على ثلاثة أوجه : طهارة العلم من الجهل ، وطهارة الذكر من النسيان ، وطهارة الطاعة من المعصية ، وقال : جناية الخاص أعظم عند الله من جناية العام ، وجناية الخاص السكون إلى غير الله تعالى والأنس بسواه ، وقال : تستأنس الجوارح أولا بالعقل ، ثم يستأنس العقل بالعلم ، ثم يستأنس العبد بالله ، وقال : من اهتم للخير لا يكون للرب عنده قدر ، وقال : كل عقوبة طهارة إلا عقوبة القلب فإنها قسوة .

              قال : وسمعت سهلا يقول : يا معشر المسلمين قد أعطيتم الإقرار من اللسان ، واليقين من القلب ، وإن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير . وإن له يوما يبعثكم فيه ويسألكم عن مثاقيل الذر من أعمالكم ، من خير يجزيكم به أو شر يعاقبكم عليه إن شاء أو يعفو عنه ، قال تعالى : ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل ) . فإن الخردلة إذا [ ص: 209 ] كسرت يكون البعض منها شيئا ، قال : ( إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير ) . قيل : فكيف الحيلة يا أبا محمد ؟ قال : في خمسة أشياء لا بد لكم منها : أكل الحلال ، ولبس الحلال الذين تؤدون بهما الفرائض ، وحفظ الجوارح كلها عما نهاكم الله عنه ، وأداء حقوق الله عز وجل كما أمركم بها ، وكف الأذى لكي لا تذهب أعمالكم في القيامة وتسلم لكم أعمالكم ، والخامسة الاستعانة بالله وبما عنده واليأس عما في أيدي الناس ، وذكره آناء الليل والنهار . كي يتم لكم ذلك فاجتهدوا في ذلك إلى الممات . قيل : كيف تصبح للعبد هذه الخصال ؟ قال : لا بد له من عشرة أشياء ، يدع خمسا ويتمسك بخمس : يدع وساوس العدو والقبول منه ، ويتبع العقل فيما ينصحه ويكون فيه رضى الله ، ويدع اهتمامه للدنيا واغتباطه بها لأهلها ، ويدع اتباع الهوى ويؤثر الله على كل حال من أحواله ، ويدع المعصية والاستعانة بها ويشتغل بالطاعة ، ويرغب فيها ، ويجتنب الجهل والقيام عليه ، ولا يدنو من شيء من أمر الدنيا حتى يحكم عليه فيه ، ويطلب بدل الجهل العلم والعمل به فهذه عشرة أشياء . قيل له : كيف له يفهم هذا ويعلم أيش عليه ويعمل به ؟ قال : لا بد له من خمسة أشياء : لا يتعب نفسه ، ولا يفني عمره في جمع مال يصير آخره إلى الميراث ، ولا يتعب نفسه ولا يشتغل ببناء يصير آخره إلى الخراب ، ولا يرغب في أكل ما يصير آخره إلى التفل والكنيف ، ولا في لباس يصير آخره إلى المزابل ، ولا يتخذ أحبابا يصير آخرهم إلى التراب ، ويخلص وده وحبه لله الواحد القهار الذي لم يزل ولا يزال حيا قيوما فعالا لما يشاء . قيل : وكيف يقوى على هذا وبم يقوى عليه ؟ قال : بإيمانه . قيل : كيف بإيمانه ؟ قال : بعلمه أنه عبد الله وأن الله مولاه وشاهده ، عالم به وبضمائره ، قائم عليه . قال الله عز وجل : ( أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ) . ويعلم أن مضرته ومنفعته بيده ، قادر على فرحه وسروره ، قادر على غمه وأنه به رءوف رحيم . فهذه خمسة أشياء لا بد له منها ، وخمسة أخر لا بد له منها : [ ص: 210 ] لزوم قلبه على مشاهدة الله إياه ، وقيامه عليه مطلعا على ضميره ، قال الله عز وجل : ( واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه ) . فيراه بقلبه قريبا منه فيستحي منه ويخافه ويرجوه ويحبه ويؤثره ، ويلتجئ إليه ويظهر فقره وفاقته له ، وينقطع إليه في جميع أحواله . فهذه ما لا بد للخلق أجمعين منها أن يعملوا بها ، بعث الله تعالى أنبياءه عليهم الصلاة والسلام بهذا ولهذا وفي هذا ، وأنزل الكتاب لهذا ، وجاءت الآثار عن نبينا صلى الله عليه وسلم على هذا ، وعن أصحابه والتابعين وعملوا به حتى فارقوا الدنيا ، وكانوا على هذا ، لا ينكر إلا جاهل .

              سمعت محمد بن الحسن بن موسى يقول : سمعت جدي يقول : بلغني أن يعقوب بن الليث ، اعتقل بطنه في بعض كور الأهواز فجمع الأطباء فلم يغنوا عنه شيئا فذكر له سهل بن عبد الله ، فأمر بإحضاره في العماريات فأحضر ، فلما دخل عليه قعد على رأسه وقال : اللهم أريته ذل المعصية فأره عز الطاعة ففرج عنه من ساعته ، فأخرج إليه مالا وثيابا ، فردها ولم يقبل منه شيئا ، فلما رجع إلى تستر قال له بعض أصحابه : لو قبلت ذلك المال وفرقته على الفقراء ، فقال له : انظر إلى الأرض ، فنظر فإذا الأرض كلها بين يديه ذهبا ، فقال : من كان حاله مع الله هذا لا يستكثر مال يعقوب بن الليث .

              سمعت أبا الفضل أحمد بن عمران الهروي يحكي عن بعض أصحاب أبي العباس الخواص قال : كنت أحب الوقوف على شيء من أسرار سهل بن عبد الله ، فسألت بعض أصحابه عن قوته فلم يخبرني أحد منهم عنه بشيء ، فقصدت مجلسه ليلة من الليالي ، فإذا هو قائم يصلي فأطلت القيام وهو قائم لا يركع ، فإذا أنا بشاة جاءت فرجمت باب المسجد وأنا أراها ، فلما سمع حركة الباب ركع وسجد وسلم وخرج وفتح الباب ، فدنت الشاة منه ووقفت بين يديه فمسح ضرعها ، وكان قد أخذ قدحا من طاق المسجد فحلبها وجلس فشرب ، ثم مسح بضرعها وكلمها بالفارسية فذهبت إلى الصحراء ورجع هو إلى محرابه . وقال أبو [ ص: 211 ] الحسن بن سالم : عرفت سهلا سنين من عمره ، كان يقوم الليل بفرد رحل يناجي ربه حتى يصبح .

              سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت أبا نصر عبد الله بن علي يقول : سمعت أحمد بن عطاء يقول : سمعت محمد بن الحسن قال : قال سهل : أعمال البر يعملها البر والفاجر ، ولا يجتنب المعاصي إلا صديق . وقال سهل : من أحب أن يطلع الخلق على ما بينه وبين الله فهو غافل .

              سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت أبا الحسن الفارسي يقول : سمعت عباس بن عصام يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : البلوى من الله على وجهين : بلوى رحمة ، وبلوى عقوبة . فبلوى الرحمة تبعث صاحبها على إظهار فقره إلى الله تعالى وترك التدبير . وبلوى العقوبة تبعث صاحبها على اختياره وتدبيره . أسند سهل بن عبد الله .

              وأخبرني يوسف بن عمر بن مسرور أبو الفتح القواس ، ثنا عبيد الله أبو القاسم الصنعاني ، ثنا ابن واصل ، ثنا سهل بن عبد الله التستري قال : أخبرني خالي محمد بن سوار ، عن جعفر بن سليمان ، عن ثابت ، عن أنس ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو ومعه عدة من نساء الأنصار يسقين الماء ويداوين الجرحى .

              حدثنا محمد بن المظفر - إملاء - ثنا أبو علي محمد بن الضحاك بن عمرو ، ثنا سهل بن عبد الله الزاهد ، ثنا سليمان بن عبد الرحمن ، ثنا محمد بن عبد الرحمن القشيري ، ثنا عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أعطيت في علي خمسا ، أما إحداها فيواري عورتي ، والثانية يقضي ديني ، والثالثة أنه متكئي في طول الموقف ، والرابعة فإنه عوني على حوضي ، والخامسة فإني لا أخاف عليه أن يرجع كافرا [ ص: 212 ] بعد إيمان ولا زانيا بعد إحصان " كذا حدثناه ابن المظفر ، وقال : سهل الزاهد هو التستري ، فقلت له : ببلدنا سهل بن عبد الله أبو طاهر أهو ذاك ؟ فأبى إلا التستري .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية