الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1792 - مسألة : وشهادة العبد والأمة مقبولة في كل شيء لسيدهما ولغيره كشهادة الحر والحرة ولا فرق .

                                                                                                                                                                                          وقد اختلف الناس في هذا - : فصح ما روينا من طريق ابن وهب عن يونس عن الزهري عن سعيد بن المسيب : أن عثمان بن عفان قضى في الصغير يشهد بعد كبره ، والنصراني بعد إسلامه ، والعبد بعد عتقه : أنها جائزة إن لم تكن ردت عليهم - .

                                                                                                                                                                                          وروينا من طريق عمرو بن شعيب ، وعطاء عن عمر بن الخطاب مثل ذلك . [ ص: 501 ]

                                                                                                                                                                                          وروينا ذلك في شهادة العبد من طريق عبد الرزاق عن أبي بكر عن عمرو بن سليم عن ابن المسيب عن عمر .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق الحجاج بن أرطاة عن عطاء عن ابن عباس : لا تجوز شهادة العبد .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق أبي عبيد عن حسان بن إبراهيم الكرماني عن إبراهيم الصائغ عن نافع عن ابن عمر : لا تجوز شهادة المكاتب ما بقي عليه درهم .

                                                                                                                                                                                          وروينا من طريق ابن أبي شيبة عن ابن المبارك ، ووكيع قال ابن المبارك : عن ابن جريج عن عطاء ، وقال وكيع : عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي قالا جميعا : لا تجوز شهادة العبد .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن أبي شيبة عن ابن المبارك عن محمد بن راشد عن مكحول لا تجوز شهادة العبد .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : { شهيدين من رجالكم } قال : من الأحرار - قال وكيع : ولا يجيز سفيان شهادة عبد - وهو قول وكيع .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن أبي شيبة نا عيسى بن يونس ، ووكيع ، وعبد الرحمن بن مهدي ، ومعاذ بن معاذ ، قال عيسى : عن الأوزاعي عن الزهري ، وقال وكيع : عن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم النخعي ، وقال عبد الرحمن بن مهدي : عن حماد بن سلمة ، وأبي عوانة ، قال أبو عوانة : عن عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه ، وقال حماد بن سلمة : عن قتادة عن شريح ، وقال معاذ بن معاذ : عن أشعث هو ابن عبد الملك الحمراني - عن الحسن البصري ، وقالوا كلهم : في العبد يؤدي الشهادة فترد ثم يعتق فيشهد بها : أنها لا تجوز ، إلا الحسن ، والحكم فإنهما قالا : إنها تجوز .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق أبي عبيد عن عبد الرحمن بن مهدي عن إسرائيل بن يونس عن منصور عن مجاهد قال : أهل مكة ، وأهل المدينة : لا يجيزون شهادة العبد .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق شعبة عن مغيرة عن إبراهيم قال : لا تجوز شهادة المكاتب ، ولا يرث [ ص: 502 ]

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة : إذا شهد العبد فردت شهادته ، ثم أعتق فشهد بها لم تقبل - وروي ذلك عن فقهاء المدينة السبعة - وهو قول أبي الزناد .

                                                                                                                                                                                          وبه يقول أبو حنيفة ومالك ، والشافعي ، وابن أبي ليلى ، والحسن بن حي ، وأبو عبيد ، وأحد قولي ابن شبرمة .

                                                                                                                                                                                          وأجازت طائفة شهادة العبد في بعض الأحوال ، وردتها في بعض - : كما روينا من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا علي بن المديني ، وسليمان بن حرب ، وإبراهيم الهروي ، قال علي عن جرير عن منصور عن إبراهيم عن شريح ، وقال سليمان : عن أبي عوانة عن مطرف بن طريف عن الشعبي وقال الهروي : عن هشام أنا مغيرة عن إبراهيم : إنهم ثلاثتهم كانوا يجيزون شهادة العبد في الشيء اليسير .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق نا محمد بن يحيى المازني عن سفيان الثوري عن إبراهيم النخعي قال : لا تجوز شهادة العبد لسيده ، وتجوز لغيره .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق جابر الجعفي عن الشعبي في العبد يعتق بعضه أن شهادته جائزة .

                                                                                                                                                                                          وأجازت طائفة شهادته في كل شيء كالحر - : كما روينا من طريق ابن أبي شيبة نا حفص بن غياث النخعي عن أشعث عن الشعبي قال : قال شريح : لا تجوز شهادة العبد ; فقال علي : لكنا نجيزها ، فكان شريح بعد ذلك يجيزها إلا لسيده .

                                                                                                                                                                                          وبه إلى ابن أبي شيبة نا حفص بن غياث عن المختار بن فلفل قال : سألت أنس بن مالك عن شهادة العبد ؟ فقال : جائزة .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن عمار الدهني قال : شهدت شريحا شهد عنده عبد على دار فأجاز شهادته فقيل : إنه عبد ؟ فقال شريح : كلنا عبيد وإماء .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل نا أبي نا عبد الرحمن بن مهدي نا حماد بن زيد عن يحيى بن عتيق عن محمد بن سيرين : أنه كان لا يرى بشهادة المملوك بأسا إذا كان عدلا

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن الجهم عن إسماعيل بن إسحاق القاضي نا عارم بن الفضل نا [ ص: 503 ] عبد الله بن المبارك عن يعقوب عن عطاء بن أبي رباح قال : شهادة العبد ، والمرأة جائزة في النكاح ، والطلاق .

                                                                                                                                                                                          كتب إلي عبد الله بن عبد الواحد عن الحسن بن عبد الواحد قال : نا أبو مسلم الكاتب نا عبد الله بن أحمد بن المغلس نا عبد الله بن أحمد بن حنبل نا أبي نا عفان بن مسلم قال : نا حماد بن سلمة قال : سئل إياس بن معاوية عن شهادة العبد ؟ قال : أنا أرد شهادة عبد العزيز بن صهيب على الإنكار لردها .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وهو قول زرارة بن أوفى ، وعثمان البتي ، وأبي ثور ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وأبي سليمان ، وأصحابهم ، وأحد قولي ابن شبرمة .

                                                                                                                                                                                          قال علي : أما قول عمر ، وعثمان الذي صدرنا به فهو على الحنفيين ، والمالكيين ، والشافعيين لا لهم ; لأنهم خالفوهما في الصبي يشهد فيرد ، ثم يبلغ فيشهد .

                                                                                                                                                                                          فقالوا : يقبل .

                                                                                                                                                                                          ومن الباطل أن يكون بعض قول عمر وعثمان حجة ، وبعضه غير حجة ، وهذا تلاعب بالدين ممن سلك هذا الطريق - وهو عن ابن عباس لا يصح ; لأنه عن الحجاج بن أرطاة ، فلم يبق لهم إلا ابن عمر ، وقد صح خلافه عن أنس - فبطل تعلقهم بالآثار ، وبقي الاحتجاج بالقرآن والسنة .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : أما قول مجاهد ومن اتبعه : { شهيدين من رجالكم } من الأحرار ، فباطل وزلة عالم ، وتخصيص لكلام الله تعالى بلا برهان ، وبالضرورة يدري كل ذي حس سليم : أن العبيد رجال من رجالنا ، وأن الإماء نساء من نسائنا ، قال تعالى : { نساؤكم حرث لكم } فدخل في ذلك - بلا خلاف - الحرائر والإماء - فظهر فساد هذا القول ، وإنما خاطب الله تعالى في أول الآية الذين آمنوا : والعبيد ، بلا خلاف منهم ، فهم في جملة المخاطبين بالمداينة ، والإشهاد والشهادة .

                                                                                                                                                                                          واحتج بعضهم بقول الله تعالى : { عبدا مملوكا لا يقدر على شيء }

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : تحريف كلام الله تعالى عن مواضعه مهلك في الدنيا والآخرة ، [ ص: 504 ] ولم يقل تعالى : إن كل عبد فهو لا يقدر على شيء ، إنما ضرب الله تعالى المثل بعبد من عباده هذه صفته ، وقد توجد هذه الصفة في كثير من الأحرار ، ومن نسب غير هذا إلى الله تعالى فقد كذب عليه جهارا ، وأتى بأكبر الكبائر ; لأن الله تعالى لا يقول إلا حقا ، وبالمشاهدة نعرف كثيرا من العبيد أقدر على الأشياء من كثير من الأحرار .

                                                                                                                                                                                          ونقول لهم : هل يلزم العبيد الصلاة ، والصيام ، والطهارة ، ويحرم عليهم من المآكل ، والمشارب ، والفروج ، كل ما يحرم على الأحرار ، فمن قولهم : نعم ، فقد أكذبوا أنفسهم ، وشهدوا بأنهم يقدرون على أشياء كثيرة - فبطل تعلقهم وتمويههم بهذه الآية .

                                                                                                                                                                                          وقالوا : { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } .

                                                                                                                                                                                          قالوا : والعبد لا يقدر على أداء الشهادة ; لأنه مكلف خدمة سيده .

                                                                                                                                                                                          فقلنا : كذب من قال هذا ، بل هو قادر على أداء الشهادة كما يقدر على الصلاة ، وعلى النهوض إلى من يتعلم منه ما يلزمه من الدين .

                                                                                                                                                                                          ولو سقط عن العبد القيام بالشهادة لشغله بخدمة سيده لسقط أيضا عن الحرة ذات الزوج لشغلها بملازمة زوجها .

                                                                                                                                                                                          وقال بعضهم : العبد سلعة وكيف تشهد سلعة ؟ فقلنا : فكان ماذا ؟ تشهد السلعة ، كما يلزم السلعة الصلاة ، والصيام ، والقول بالحق - وما نعلم لهم في هذه المسألة متعلقا ، لا بقرآن ، ولا بسنة ، ولا رواية صحيحة ، ولا سقيمة ، ولا نظر ولا معقول ، ولا قياس ، إلا بتخاليط في غاية الفساد ، وأهذار باردة - وقد تقصينا هذا في " كتاب الإيصال " والحمد لله رب العالمين .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وكل نص في قرآن أو سنة في شيء من أحكام الشهادات فكلها شاهدة بصحة قولنا ، إذ لو أراد الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام تخصيص عبد من حر في ذلك لكان مقدورا عليه : { وما كان ربك نسيا }

                                                                                                                                                                                          قال تعالى : { ممن ترضون من الشهداء } .

                                                                                                                                                                                          وقال تعالى : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاؤهم [ ص: 505 ] عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه } .

                                                                                                                                                                                          فلم يختلف مسلمان قط في أن هذا خير يدخل فيه العبيد والإماء كدخول الأحرار والحرائر ، وحرام على كل أحد أن لا يرضى عمن أخبر الله تعالى أنه قد رضي عنه ، فإذ قد رضي الله عن العبد المؤمن العامل بالصالحات ، ففرض علينا أن نرضى عنه ، وإذ فرض علينا أن نرضى عنه ، ففرض علينا قبول شهادته .

                                                                                                                                                                                          وأما من ردها لسيده فإنه قال : قد يجبره سيده على الشهادة له .

                                                                                                                                                                                          قلنا : لو كان هذا مانعا من قبول العبد لسيده لكان مانعا من قبول أحد من المسلمين للإمام إذا شهد له ; لأن الإمام أقدر على رعيته من السيد على عبده ; لأن العبد تعديه جميع الحكام على سيده إذا تظلم منه ويحولون بينه وبين أذاه ، ولا يقدر أحد على أن يحول بين الإمام والرجل من رعيته ، فظهر فساد قول مخالفينا - والحمد لله رب العالمين .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية