الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          تنبيه وإنذار

                                                          قال تعالى:

                                                          أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرءوف رحيم أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون

                                                          كان المشركون من وقت أن بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعوهم بأمر ربه لا يفكرون فيما اشتملت عليه من حق، ولا في ماضيه الذي يدل على الصدق والأمانة، وأنه كان الأمين فيهم حتى سمي بذلك، ولا في حقيقة ما يدعو إليه، ولا في حقيقة ما هم عليه من عبادة الأحجار التي لا تضر ولا تنفع لا يفكرون في شيء من ذلك، إنما يفكرون في مقاومة الدعوة وصدوا عن غير المقاومة صدودا، ودبروا لإيذاء [ ص: 4186 ] المستضعفين، والسخرية بالمؤمنين، والاستهزاء بأهل الحق ويقتلون الذروة والغارب ليقضوا على الدعوة، حتى إنهم ليقتسمون مداخل مكة، ليشوهوا دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دعا الحجيج، يفعلون كل ذلك ونسوا أن الله تعالى قد ينزل بهم العذاب؛ ولذا قال تعالى منبها لهم منذرا:

                                                          أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون

                                                          (الفاء) لترتيب ما بعدها على ما قبلها وهو حالهم التي هم عليها، ولكن تأخرت الفاء؛ لأن الصدارة تكون للاستفهام والمعنى: أفعلوا ما فعلوا ودبروا السوء، وآذوا ودبروا الأمور المسيئة في نفسها أفأمنوا أن يخسف الله تعالى بهم الأرض، بأن تنحط الأرض حتى تبتلع ديارهم وأموالهم، أغفلوا وأمنوا مكر الله وقد دبروا السيئات وفعلوا وأرادوا، ويميل بعض المفسرين إلى أن السيئات وصف لموصوف محذوف تقديره " أفأمن الذين مكروا المكرات السيئات "، ونحن نرى أنه لا حاجة إلى تقدير موصوف محذوف؛ لأن المكر وهو التدبير متجه إلى إنشاء السيئات فهم دبروا السيئات في إيذاء المستضعفين، ودبروا السيئات في الأقوال والأفعال طوال إقامة النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهم في مكة، لم يتركوا نوعا من السيئات إلا دبروها.

                                                          وهم يعلمون قوة الله القاهرة، وأنه الذي يلجأ إليه في الملمات، فلم يكونوا جاهلين لها، وإن عبدوا مع الله الأحجار والأوهام، فإذا نبههم الله تعالى بأنه قادر على خسف الأرض من تحتهم فهم لا يجهلون ذلك.

                                                          وقد قال تعالى منبها لهم، ومثيرا لعلمهم بقدرة الله تعالى: أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير

                                                          ثم قال تعالى:

                                                          أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين

                                                          (أو) عاطفة، (العذاب) هو العذاب الدنيوي المدمر كالذي نزل بقوم لوط، فجعل الله عالي الأرض سافلها، أو تأتيهم ريح صرصر عاتية، أو ريح فيها عذاب شديد، يكون [ ص: 4187 ] مفاجئا لهم لا يعلمون بوقوعه، ولا يتوقعونه وهذا معنى لا يشعرون أي: لا يعلمون ولا يتوقعون، بل ربما كانوا يرجون الخير، كقوله تعالى في عاد: فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية