الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل وللبنت الواحدة النصف ، فإن كانتا اثنتين فصاعدا ، فلهن الثلثان ، وبنات الابن بمنزلة البنات إذا لم يكن بنات ، فإن كانت بنت وبنات ابن ، فللبنت النصف ، ولبنات الابن - واحدة كانت أو أكثر من ذلك - السدس تكملة الثلثين ، إلا أن يكون معهن ذكر ، فيعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين ، وإن استكمل البنات الثلثين ، سقط بنات الابن إلا أن يكون معهن أو أنزل منهن ذكرا فيعصبهن فيما بقي .

                                                                                                                          [ ص: 137 ]

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          [ ص: 137 ] فصل

                                                                                                                          ( وللبنت الواحدة ) من الصلب ( النصف ) بغير خلاف ، وسنده قوله تعالى وإن كانت واحدة فلها النصف [ النساء 11 ] وقضاؤه عليه الصلاة والسلام : ( فإن كانتا اثنتين فصاعدا فلهن الثلثان ) لقوله تعالى فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وهو إجماع إلا رواية شذت عن ابن عباس : أن الاثنتين فرضهما النصف أخذا بالمفهوم ، والآية ظاهرة الدلالة على ما زاد على اثنتين ، ووجه دلالتها عليهما أن الآية وردت على سبب خاص ، وهو ما رواه جابر ، قال : جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : هاتان ابنتا سعد ، قتل أبوهما معك يوم أحد ، وابن عمهما أخذ مالهما ، فلم يدع لهما شيئا من مال ، قال : يقضي الله في ذلك ، فنزلت آية المواريث ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمهما ، فقال : أعط ابنتي سعد الثلثين ، وأعط أمهما الثمن ، وما بقي فهو لك . رواه أبو داود وصححه الترمذي ، والحاكم ، ووقع في " المغني " ، و " الشرح " أنه قال لأخي سعد ، فدلت الآية على فرض ما زاد على الاثنتين ، ودلت السنة على فرض الاثنتين ، فهذا من السنة بيان ونسخ لما كان عليه أمر الجاهلية من توريث الذكور دون الإناث ، و " فوق " في الآية الكريمة ، ادعي زيادتها ، كقوله تعالى ( فاضربوا فوق الأعناق ) أي : اضربوا الأعناق ، ورده ابن عطية وجماعة ، إذ الأسماء لا تجوز زيادتها لغير معنى ، وفوق في قوله تعالى ( فاضربوا فوق الأعناق غير زائدة ; لأن الضرب يكون في أعلى العنق في المفصل ، وقيل : المعنى اثنتين فما [ ص: 138 ] فوق ، ولأن الأخوات أضعف من البنات ، وقد جعل للأختين الثلثين أيضا مع بعد الدرجة ، فللبنتين الثلثان مع قرب الدرجة من باب أولى ، واختلف فيما ثبت به فرض الاثنتين ، فقيل : بالقرآن ; لأنه تعالى ذكر حكم البنت وحكم الثلاث بنات دون حكم البنتين ، وذكر حكم الأخت والأختين دون ما زاد ، فوجب حمل كل من الآيتين على الأخرى لظهور المعنى ، ورد بأن ذلك لا يخرجه عن القياس ، وقيل : بالسنة ، وقيل : بالبينة ، وقيل : بالإجماع ، وقيل : بالقياس ، وما روي عن ابن عباس رجحه ابن حزم في بعض كتبه ، لكن قال الشريف الأموي : صح عن ابن عباس رجوعه عن ذلك ، وصار إجماعا ، إذ الإجماع بعد الاختلاف حجة . ومما يؤكد أن للبنتين الثلثين ، أن الله تعالى ( قال للذكر مثل حظ الأنثيين ) وهو لو كان مع واحدة كان حظها الثلث ، فأولى وأحرى أن يجب لها مع أختها .



                                                                                                                          ( وبنات الابن بمنزلة البنات إذا لم يكن بنات بالإجماع ) لأن بنت الابن بنته ، كما أن ابن الابن ابنه ، ولدخوله في المنصوص ، سواء كانت بنات الابن من أب واحد أو آباء ، فإنهن يشتركن في الثلثين ، وكان ينبغي أن يقول : إذا لم يكن بنتان ; لأن بنات الابن لا يرثن مع البنتين شيئا ، ( فإن كانت بنت وبنات ابن ، فللبنت النصف ، ولبنات الابن واحدة كانت أو أكثر من ذلك السدس تكملة الثلثين ) ، وبالإجماع ، واختصت البنت بالنصف ; لأنه مفروض لها ، والاسم يتناولها حقيقة فبقي السدس لبنات الابن تمام الثلثين . وعن هزيل بن شرحبيل ، قال : سئل أبو موسى عن ابنة ، وابنة ابن ، وأخت ، فقال : للبنت النصف ، وللأخت [ ص: 139 ] النصف ، وائت ابن مسعود فسيتابعني ، فسأل ابن مسعود ، وأخبر بقول أبي موسى ، فقال : لقد ضللت إذن ، وما أنا من المهتدين ، أقضي فيها بما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم للابنة النصف ، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين ، وما بقي ، فللأخت ، فأتينا أبا موسى ، فأخبرناه بقول ابن مسعود ، فقال : لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم ، رواه البخاري ( إلا أن يكون معهن ) أي : مع بنات الابن ( ذكر ) في درجتهن ( فيعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين ) في قول جمهور الفقهاء من الصحابة ، ومن بعدهم لقوله تعالى ( يوصيكم الله في أولادكم الآية ، وانفرد ابن مسعود ، فقال : لبنات الابن الأضر بهن من المقاسمة أو السدس ، وذلك مبني على أصله ، وهو أن بنت الابن لا يعصبها أخوها ، إذا استكمل البنات الثلثين ، وقد ناقض في المقاسمة إذا كان يضر بهن ، وكان ينبغي أن يعطيهن السدس على كل حال .

                                                                                                                          ( وإن استكمل البنات الثلثين سقط بنات الابن ) بالإجماع ; لأنه تعالى لم يفرض للأولاد إذا كانوا نساء إلا الثلثين ، قليلات كن أو كثيرات ، وهؤلاء لم يخرجن عن كونهن نساء من الأولاد ، وقد ذهب الثلثان ، والمشاركة ممتنعة ; لأنهن دون درجتهن ( إلا أن يكون معهن ) كأخيهن أو ابن عمهن ، ( أو أنزل منهن ذكرا ) كابن أخيهن أو ابن عمهن أو ابن ابن عمهن ( فيعصبهن فيما بقي ) للذكر مثل حظ الأنثيين ، هذا قول علي ، وزيد ، وسائر الفقهاء غير ابن مسعود ، ومن وافقه ، فإنه خالف الصحابة في ست مسائل هذه إحداهن فجعل الباقي للذكر دون أخواته ، وقاله أبو ثور ; لأن النساء لا يرثن أكثر من الثلثين بدليل ما لو انفردن .

                                                                                                                          [ ص: 140 ] وجوابه : بأنه قد دخلن في عموم قوله تعالى ( يوصيكم الله في أولادكم ) بدليل تناول اللفظ لهن ، لو لم يكن بنات ، وعدم البنات لا يوجب لهن هذا الاسم ، ولأن كل ذكر وأنثى يقتسمون المال إذا لم يكن معهم ذو فرض يجب أن يقسمها الفاضل عنه كأولاد الصلب ، والإخوة مع الأخوات .




                                                                                                                          الخدمات العلمية