الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1795 - مسألة : ولا تقبل شهادة من لم يبلغ من الصبيان ، لا ذكورهم ولا إناثهم ، ولا بعضهم على بعض ، ولا على غيرهم ، لا في نفس ولا جراحة ، ولا في مال ، ولا يحل الحكم بشيء من ذلك ، لا قبل افتراقهم ولا بعد افتراقهم - وفي هذا خلاف كثير - : فصح عن ابن الزبير أنه قال : إذا جيء بهم عند المصيبة جازت شهادتهم .

                                                                                                                                                                                          قال ابن أبي مليكة : فأخذ القضاة بقول ابن الزبير - وأجاز بعضهم شهادتهم في خاص من الأمر ، لا في كل شيء - : كما روينا عن قتادة عن الحسن ، قال : قال علي بن أبي طالب : شهادة الصبي على الصبي جائزة ، وشهادة العبد على العبد جائزة .

                                                                                                                                                                                          قال الحسن : وقال معاوية : شهادة الصبيان على الصبيان جائزة ، ما لم يدخلوا البيوت فيعلموا - وعن علي مثل هذا أيضا .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن أبي شيبة عن وكيع نا عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت عن الشعبي عن مسروق : أن ستة غلمان ذهبوا يسبحون ، فغرق أحدهم ، فشهد ثلاثة على اثنين أنهما غرقاه ، وشهد اثنان على ثلاثة أنهم غرقوه - : فقضى علي بن أبي طالب على الثلاثة خمسي الدية ، وعلى الاثنين ثلاثة أخماس الدية .

                                                                                                                                                                                          وروينا أيضا نحو هذا عن مسروق .

                                                                                                                                                                                          وروينا عن يحيى بن سعيد القطان نا سفيان الثوري عن فراس عن الشعبي عن مسروق : أن ثلاثة غلمان شهدوا على أربعة ، وشهد الأربعة على الثلاثة ، فجعل مسروق على الأربعة ثلاثة أسباع الدية ، وعلى الثلاثة أربعة أسباع الدية .

                                                                                                                                                                                          وروينا أيضا عن ابن المسيب ، والزهري : جواز شهادة الصبيان بقولهم - مع أيمان المدعي - ما لم يتفرقوا ، وأنه قضى بمثل ما قضى به علي بن أبي طالب في دية ضرس .

                                                                                                                                                                                          وعن أبي الزناد : السنة أن يؤخذ في شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح مع أيمان المدعين . [ ص: 514 ]

                                                                                                                                                                                          وعن عمر بن عبد العزيز : أنه أجاز شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح المتقاربة ، فإذا بلغت النفوس قضى بشهادتهم مع أيمان الطالبين .

                                                                                                                                                                                          وعن ربيعة : جواز شهادة بعض الصبيان على بعض ما لم يتفرقوا .

                                                                                                                                                                                          وعن شريح : أن شهادة الصبيان تقبل إذا اتفقوا ، ولا تقبل إذا اختلفوا ، وأنه أجاز شهادة صبيان في مأمومة .

                                                                                                                                                                                          وعن ابن قسيط ، وأبي بكر بن حزم : قبول شهادة الصبيان فيما بينهم ما لم يتفرقوا .

                                                                                                                                                                                          وعن عطاء ، والحسن : تجوز شهادة الصبيان على الصبيان .

                                                                                                                                                                                          وعن إبراهيم النخعي : تجوز شهادة الصبيان بعضهم على بعض ، وقال : كانوا يجيزونها فيما بينهم .

                                                                                                                                                                                          وقال ابن أبي ليلى : تجوز شهادة الصبيان بعضهم على بعض في كل شيء .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك : تجوز شهادة الصبيان على الصبيان فقط ، ولا تجوز شهادتهم على صغير أنه جرح كبيرا ، ولا على كبير أنه جرح صغيرا ، ولا تجوز إلا في الجراح خاصة ، ولا تجوز شهادة الصبايا في شيء من ذلك أصلا ، ولا تجوز في شيء من ذلك شهادة من كان منهم عبدا ، فإن اختلفوا لم يلتفت شيء من قولهم وقضي على جميعهم بالدية سواء .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : ما نعلم عن أحد قبله فرقا بين صبي وصبية ولا بين عبد منهم من حر .

                                                                                                                                                                                          وقالت طائفة : لا تقبل شهادتهم في شيء أصلا ، كما ذكرنا قبل عن عمر ، وعثمان في الصغير يشهد فترد شهادته ، ثم يبلغ فيشهد بتلك الشهادة أنها لا تقبل .

                                                                                                                                                                                          وصح عن ابن عباس من طريق ابن أبي مليكة : لا تقبل شهادة الصبيان في شيء .

                                                                                                                                                                                          وعن عطاء : لا تجوز شهادة الغلمان حتى يكبروا - وعن قاسم بن محمد ، وسالم ، والنخعي مثل قول عطاء .

                                                                                                                                                                                          وعن الحسن : لا تقبل شهادة الغلمان على الغلمان . [ ص: 515 ]

                                                                                                                                                                                          وعن ابن سيرين : لا تقبل شهادتهم حتى يبلغوا .

                                                                                                                                                                                          وعن الشعبي ، وشريح : أنهما كانا يقبلانها إذا ثبتوا عليها حتى يبلغوا .

                                                                                                                                                                                          وعن عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري في غلمان شهد بعضهم على بعض بكسر يد صبي منهم ؟ فقال : لم تكن شهادة الغلمان فيما مضى من الزمان تقبل - وأول من قضى بذلك مروان .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وبمثل قولنا يقول مكحول ، وسفيان الثوري ، وابن شبرمة ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو عبيدة ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وأبو سليمان ، وجميع أصحابنا .

                                                                                                                                                                                          قال علي : لم نجد لمن أجاز شهادة الصبيان حجة أصلا ، لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا رواية سقيمة ، ولا قياس ، ولا نظر ، ولا احتياط ، بل هو قول متناقض ، لأنهم فرقوا بين شهادتهم على كبير أو لكبير ، وبين شهادتهم على صغير أو لصغير .

                                                                                                                                                                                          وفرق مالك بين الجراح وغيرها ، فلم يجزها في تخريق ثوب يساوي ربع درهم ، وأجازها في النفس والجراح .

                                                                                                                                                                                          وفرق بين الصبايا والصبيان - وهذا كله تحكم بالباطل ، وخطأ لا خفاء به ، وأقوال لا يحل قبولها من غير رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                          وقد اختلف الصحابة في ذلك ، وحجة من قال بقولنا هو قول الله تعالى { وأشهدوا ذوي عدل منكم } وقال : { ممن ترضون من الشهداء } وليس الصبيان ذوي عدل ولا يرضاهم . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { رفع القلم عن ثلاثة ، فذكر الصبي حتى يبلغ } .

                                                                                                                                                                                          وليس في العجب أكثر من رد شهادة عبد فاضل ، صالح عدل ، رضي - وتقبل شهادة صبيين لا عقل لهما ، ولا دين ، وفي هذا كفاية - .

                                                                                                                                                                                          وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية