الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون أإنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون

                                                                                                                                                                                                "و" اذكر "لوطا" أو أرسلنا لوطا لدلالة ولقد أرسلنا عليه . و " إذا" بدل على الأول ظرف على الثاني . وأنتم تبصرون من بصر القلب ، أي : تعلمون أنها فاحشة لم تسبقوا إليها ، وأن الله إنما خلق الأنثى للذكر ولم يخلق الذكر للذكر ، ولا الأنثى للأنثى ، فهي مضادة لله في حكمته وحكمه ، وعلمكم بذلك أعظم لذنوبكم وأدخل في القبح والسماجة . وفيه دليل على أن القبيح من الله أقبح منه من عبادة ؛ لأنه أعلم العالمين وأحكم الحاكمين . أو تبصرونها بعضكم من بعض ، لأنهم كانوا في ناديهم يرتكبونها معالنين بها ، لا يتستر بعضهم من بعض خلاعة ومجانة ، وانهماكا في المعصية ، وكأن أبا نواس بنى على مذهبهم قوله [من الطويل ] :


                                                                                                                                                                                                وبح باسم ما تأتي وذرني من الكنى . . . فلا خير في اللذات من دونها ستر



                                                                                                                                                                                                أو تبصرون آثار العصاة قبلكم وما نزل بهم . فإن قلت : فسرت تبصرون بالعلم وبعده بل أنتم قوم تجهلون فكيف يكونون علماء وجهلاء ؟ قلت : أراد : تفعلون فعل الجاهلين بأنها فاحشة مع علمكم بذلك . أو تجهلون العاقبة ، أو أراد بالجهل : السفاهة والمجانة التي كانوا عليها فإن قلت : "تجهلون" صفة لقوم ، والموصوف لفظه لفظ الغائب ، فهلا طابقت الصفة الموصوف فقرئ بالياء دون التاء ؟ وكذلك بل أنتم قوم تفتنون ؟ قلت : [ ص: 463 ] اجتمعت الغيبة والمخاطبة ، فغلبت المخاطبة ، لأنها أقوى وأرسخ أصلا من الغيبة .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية