الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            42 - كتاب البعث .

                                                                                            بسم الله الرحمن الرحيم .

                                                                                            42 - 1 - باب أمارات الساعة وقيامها .

                                                                                            قلت : وقد تقدمت أمارات الساعة في كتاب الفتن .

                                                                                            18305 عن أبي الزعراء قال : ذكروا عند عبد الله - يعني ابن مسعود - الدجال فقال : يفترق الناس ثلاث فرق : فرقة تتبعه ، وفرقة تلحق بأرض آبائها منابت الشيح ، وفرقة تأخذ شط هذا الفرات ، فيقاتلهم ويقاتلونه ، حتى يجتمع المؤمنون بغربي الشام ، فيبعثون إليه طليعة ، فيهم فارس على فرس أشقر أو أبلق ، فيقتلون لا يرجع إليهم بشيء .

                                                                                            قال عبد الله : ويزعمون أن المسيح ينزل فيقتله . قال : ولم أسمعه يحدث [ ص: 329 ] عن أهل الكتاب حديثا غير هذا ، ثم يخرج يأجوج ومأجوج ، فيمرجون في الأرض فيفسدون فيها . ثم قرأ عبد الله : وهم من كل حدب ينسلون ، ثم يبعث الله عليهم دابة مثل هذه النغفة فتدخل في أسماعهم ومناخرهم ; فيموتون ، فتنتن الأرض منهم ، فيجأر أهل الأرض إلى الله ، فيرسل الله ماء فيطهر الأرض منهم ، ثم يبعث الله ريحا فيها زمهرير باردة ، فلا تدع على وجه الأرض مؤمنا إلا كفت بتلك الريح . ثم تقوم الساعة على شرار الناس ، ثم يقوم ملك بالصور بين السماء والأرض فينفخ فيه ، فلا يبقى خلق من خلق الله إلا مات إلا من شاء ربك ، ثم يكون بين النفختين ما شاء الله أن يكون ، فليس في الأرض شيء من بني آدم خلق إلا في الأرض منه شيء ،ثم يرسل الله ماء من تحت العرش يمني كمني الرجال ، فتنبت جسمانهم ، ولحمانهم من ذلك الماء كما تنبت الأرض من الري . ثم قرأ عبد الله : " والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور " ، ثم يقوم ملك بالصور بين السماء والأرض فينفخ فيه ; فتنطلق كل نفس إلى جسدها فتدخل فيه ، فيقومون فيحيون حية رجل واحد ، قياما لرب العالمين . ثم يتمثل الله - جل ذكره - للخلق فيلقاهم ، فليس أحد من الخلق يعبد من دون الله شيئا إلا هو مرتفع له يتبعه ، فيلقى اليهود ، فيقول : ما تعبدون ؟ فيقولون : عزيرا . فيقول : هل يسركم الماء ؟ قالوا : نعم . فيريهم جهنم بهيئة السراب ، ثم قرأ عبد الله : " وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا " ، ثم يلقى النصارى فيقول : ما تعبدون ؟ قالوا ؟ المسيح . قال : فهل يسركم الشراب ؟ قالوا : نعم . فيريهم جهنم كالشراب ، وكذلك لمن كان يعبد من دون الله شيئا ، ثم قرأ عبد الله : وقفوهم إنهم مسئولون . حتى يمر المسلمون ، فيلقاهم ، فيقول : من تعبدون ؟ فيقولون : نعبد الله لا نشرك به شيئا ، فينتهرهم مرة أو مرتين : من تعبدون ؟ فيقولون : سبحان الله ! إذا اعترف لنا عرفناه ، فعند ذلك يكشف عن ساق ، فلا يبقى مؤمن إلا خر ساجدا ، ويبقى المنافقون ظهورهم طبقا واحدا ، كأنما فيها السفافيد ، فيقولون : ربنا ، فيقول : قد كنتم تدعون إلى السجود وأنتم سالمون . ثم يأمر بالصراط فيضرب على جهنم ، فيمر الناس بأعمالهم زمرا ، أوائلهم كلمح البرق ، ثم كمر الريح ، ثم كمر الطير ، ثم كأسرع البهائم . قال : ثم كذلك حتى يجيء الرجل سعيا ، حتى يجيء الرجل مشيا ، حتى يجيء آخرهم رجل يتلقى على بطنه ، فيقول : يا رب ، أبطأت بي . فيقول : أبطأ بك عملك . ثم [ ص: 330 ] يأذن الله - جل ذكره - في الشفاعة ، فيكون أول شافع يوم القيامة جبريل ، ثم إبراهيم ، ثم موسى - أو قال : عيسى - .

                                                                                            قال سلمة : ثم يقوم نبيكم - صلى الله عليه وسلم - شافعا لا يشفع أحد بعده فيما يشفع فيه ، وهو المقام المحمود الذي وعده الله : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ، وليس من نفس إلا وتنظر إلى بيت في الجنة ، وبيت في النار ، فيقال : لو عملتم وهو يوم الحسرة ، قال : فيرى أهل النار البيت الذي في الجنة ، فيقال : لو عملتم ، ويرى أهل الجنة البيت الذي في النار فيقال : لولا أن من الله عليكم .

                                                                                            ثم يشفع الملائكة ، والنبيون ، والشهداء ، والصالحون ، والمؤمنون ، فيشفعهم الله ، ثم يقول : أنا أرحم الراحمين ، فيخرج من النار أكثر مما أخرج من جميع الخلق برحمة الله ، حتى ما يترك فيها أحدا فيه خير ، ثم قرأ عبد الله : " ما سلككم في سقر " ، وعقد بيده : " قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين " ، وعقد أربعا .

                                                                                            قال سفيان بيده ، وعقد أربعا ، وعقد أربع أصابع ، ووصفه أبو نعيم . وقال عبد الله : ترون في هؤلاء أحدا فيه خير ؟ فإذا أراد الله أن لا يخرج منها أحدا ، غير وجوههم ، وألوانهم ، فيجيء الرجل من المؤمنين فيشفع ، فيقال له : من عرف أحدا فليخرجه ، فيجيء بالرجل فينظر فلا يعرف أحدا ، فيقول الرجل للرجل : يا فلان أنا فلان ، فيقول : ما أعرفك ، فيقولون : " ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال اخسئوا فيها ولا تكلمون " ، فإذا قال ذلك أطبقت عليهم فلا يخرج منهم بشر . رواه الطبراني ، وهو موقوف ، مخالف للحديث الصحيح ، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أنا أول شافع " .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية