الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2983 [ ص: 586 ] باب بيع التمر مثلا بمثل

                                                                                                                              وأورده النووي في : (باب الربا) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ص 20 - 21 ج 11 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن، أنه سمع سعيد بن المسيب يحدث: أن أبا هريرة ، وأبا سعيد، حدثاه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أخا بني عدي الأنصاري، فاستعمله على خيبر ، فقدم بتمر جنيب. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكل تمر خيبر هكذا؟" قال: لا، والله! يا رسول الله! إنا لنشتري الصاع: بالصاعين من الجمع. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تفعلوا. ولكن مثلا بمثل. أو بيعوا هذا، واشتروا بثمنه: من هذا. وكذلك الميزان"

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي هريرة ، وأبي سعيد " رضي الله عنهما " ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بعث أخا بني عدي الأنصاري ) .

                                                                                                                              صرح أبو عوانة ، والدارقطني : أن اسمه : سواد بن " غزية" .

                                                                                                                              زنة : عطية .

                                                                                                                              [ ص: 587 ] (فاستعمله على خيبر ، فقدم بتمر جنيب) بفتح الجيم وكسر النون ، وسكون التحتية ، ثم موحدة : نوع من التمر ، من أعلاه . وهو الطيب .

                                                                                                                              وقيل : الصلب .

                                                                                                                              وقيل : ما أخرج منه حشفه ورديئه .

                                                                                                                              وقيل : ما لا يختلط بغيره .

                                                                                                                              وفي القاموس : أن الجنيب : " تمر جيد" .

                                                                                                                              (فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " أكل تمر خيبر هكذا ؟" قال : لا ، والله ! يا رسول الله ! إنا لنشتري الصاع : بالصاعين من الجمع) بفتح الجيم وإسكان الميم . وهو تمر رديء .

                                                                                                                              وقال في "الفتح" : هو التمر المختلط بغيره .

                                                                                                                              وقال في "القاموس" : هو الدقل . أو صنف من التمر .

                                                                                                                              وقال النووي : وقد فسره في الرواية الأخيرة : بأنه الخلط من التمر .

                                                                                                                              ومعناه : مجموع من أنواع مختلفة .

                                                                                                                              وهذا الحديث : محمول على أن هذا العامل ، الذي باع صاعا بصاعين لم يعلم تحريم هذا. لكونه كان في أوائل تحريم الربا . أو لغير ذلك .

                                                                                                                              (فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "لا تفعلوا . ولكن مثلا بمثل) .

                                                                                                                              [ ص: 588 ] وهذا الحديث : يدل على أنه ، لا يجوز بيع رديء الجنس بجيده ، متفاضلا . وهذا أمر مجمع عليه ، لا خلاف بين أهل العلم فيه .

                                                                                                                              وأما سكوت الرواة ، عن فسخ البيع المذكور : فلا يدل على عدم الوقوع .

                                                                                                                              إما ذهولا ، وإما اكتفاء بأن ذلك معلوم .

                                                                                                                              وقد ورد في بعض طرق هذا الحديث : (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " هذا هو الربا فرده"

                                                                                                                              .) أو بيعوا هذا ، واشتروا بثمنه : من هذا(.

                                                                                                                              قال النووي : احتج بهذا الحديث أصحابنا وموافقوهم ، في أن مسألة " العينة " : ليست بحرام . وهي الحيلة التي يعملها بعض الناس ، توصلا إلى مقصود الربا . بأن يريد أن يعطيه ، مائة درهم : بمائتين . فيبيعه ثوبا : بمائتين . ثم يشتريه منه : بمائة .

                                                                                                                              وموضع الدلالة ، قوله : " بيعوا هذا ، واشتروا بثمنه .. إلخ" . ولم يفرق بين أن يشتري من المشتري ، أو من غيره . فدل على أنه : [ ص: 589 ] لا فرق . انتهى . يعني : ترك الاستفصال ، في مقام الاحتمال : ينزل منزلة العموم في المقال .

                                                                                                                              لكن قال في "الفتح" : وتعقب بأنه : مطلق . والمطلق لا يشمل . فإذا عمل به في صورة : سقط الاحتجاج به في غيرها . فلا يصح الاستدلال به : على جواز الشراء ، ممن باع منه تلك السلعة بعينها . انتهى .

                                                                                                                              قال النووي : وهذا يعني : " بيع العينة" ليس بحرام ، عند الشافعي وآخرين .

                                                                                                                              وقال مالك ، وأحمد : هو حرام .

                                                                                                                              (وكذلك الميزان) في أنه : لا يجوز بيع بعض الجنس منه : ببعضه متفاضلا ، وإن اختلفا في الجودة والرداءة . بل يباع رديئه بالدراهم ، ثم يشترى بها الجيد .

                                                                                                                              والمراد بالميزان هنا : الموزون .

                                                                                                                              قال صاحب "المنتقى" : هو حجة ، في جريان الربا : في الموزونات كلها . لأن قوله : في الميزان . أي في الموزون ، وإلا فنفس الميزان ، ليست من أموال الربا . انتهى .

                                                                                                                              قال النووي : يستدل به الحنفية . لأنه ذكر هنا : الكيل والميزان .

                                                                                                                              [ ص: 590 ] وأجاب أصحابنا وموافقوهم : بأن معناه : وكذلك الميزان ، لا يجوز التفاضل فيه ، فيما كان ربويا موزونا . انتهى .




                                                                                                                              الخدمات العلمية