الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  سورة "براءة"

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي: هذه سورة "براءة" يعني في بيان بعض تفسيرها، وسيأتي معنى "براءة" عن قريب إن شاء الله تعالى، وقال أبو الحسن بن الحصار: هي مدنية باتفاق، وقال مقاتل: إلا آيتين من آخرها لقد جاءكم إلى آخرها نزلت بمكة، وقيل: فيها اختلاف في أربع عشرة آية، وهي عشرة آلاف وثمانمائة وسبعة وثمانون حرفا، وألفان وأربعمائة وسبع وتسعون كلمة، ومائة وثلاثون آية مدني وبصري وشامي ومكي، ومائة وعشرون وتسع كوفي، ولها ثلاثة عشر اسما، اثنان مشهوران "براءة والتوبة" وسورة العذاب والمقشقشة; لأنها تقشقش عن النفاق أي: تبرئ، وقيل: من تقشقش المريض إذا برأ. والبحوث; لأنها تبحث عن سرائر المنافقين، والفاضحة؛ لأنها فضحت المنافقين، والمبعثرة؛ لأنها بعثرت أخبار الناس، وكشفت عن سرائرهم، والمثيرة؛ لأنها أثارت مخازي المنافقين، والحافرة؛ لأنها حفرت عن قلوبهم، والمشردة؛ لأنها تشرد بالمنافقين، والمخزية؛ لأنها تخزي المنافقين، والمنكلة؛ لأنها تنكلهم، والمدمدمة؛ لأنها تدمدم عليهم.

                                                                                                                                                                                  واختلف في سبب سقوط البسملة من أولها فقيل: لأن فيها نقض العهد، والعرب في الجاهلية كانوا إذا نقض العهد الذي كان بينهم وبين قوم لم يكتبوا فيه البسملة، ولما نزلت "براءة" بنقض العهد قرأها عليهم علي رضي الله تعالى عنه ولم يبسمل جريا على عادتهم، وقيل: T43048521 لأن عثمان رضي الله تعالى عنه قال: كانت الأنفال من أوائل ما نزل وبراءة من آخره، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، وقبض النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يبين لنا أنها منها فظننت أنها منها، فمن ثمة قرنت بينهما، ولم أكتب بينهما البسملة رواه الحاكم وصححه، وقيل: لما سقط أولها سقطت البسملة معه، روي عن عثمان أيضا، وقاله مالك في رواية ابن وهب وابن القاسم.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن عجلان: بلغني أن براءة كانت تعدل البقرة أو قربها، فذهب منها فلذلك لم تكتب البسملة، وقيل: لما كتب المصحف في خلافة عثمان اختلفت الصحابة، فقال بعضهم: براءة والأنفال سورة واحدة، وقال بعضهم: هما سورتان فترك بينهما فرجة؛ لقول من لم يقل إنهما سورة واحدة، وبه قال خارجة وأبو عصمة وآخرون، وقيل: روى الحاكم في مستدركه عن ابن عباس قال: سألت عليا رضي الله تعالى عنه، عن ذلك فقال: لأن البسملة أمان وبراءة [ ص: 254 ] نزلت بالسيف ليس فيها أمان.

                                                                                                                                                                                  قال القشيري: والصحيح أن البسملة لم تكتب فيها لأن جبريل عليه السلام ما نزل بها فيها، وروى الثعلبي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما نزل علي القرآن إلا آية آية وحرفا حرفا خلا "براءة" و"قل هو الله أحد" فإنهما أنزلتا علي ومعهما سبعون ألفا من الملائكة.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية