الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 4200 ] وإنه يكون على هذا الغم محسا بعار، لخشيته على عرضها، ولخشيته من قهرها وذلها، وهي مهما تكن بضعة منه؛ ولذا قال تعالى:

                                                          يتوارى من القوم من سوء ما بشر به .

                                                          لا يلقاهم خزيا وعارا من سوء ما بشر به، وهنا جمع سبحانه بين السوء والبشرى، فسماه سوءا بالنسبة له ولقومه، وسميت بشرى بشر بها في حقيقتها؛ لأنها نعمة، والإخبار بالنعمة بشرى.

                                                          وتحدثه نفسه في هذه النكبة في زعمه الفاسد، وإدراكه الباطل أيمسكه على هون والضمير في أيمسكه يعود على لفظ ما بشر به فهو يعود على (ما) ، ولذا ذكر الضمير، وإن كان موضوع (ما) هو الأنثى، على هون أي: على ذل وهوان كهذا المبشر به، والهوان في لغة قريش، وعذاب الهون هو عذاب الهوان والذل، أم يدسه في التراب أي: يدفنه فيه، وعبر سبحانه بـ يدسه بدل يدفن؛ لأن الدفن يكون للميت، وهذه على قيد الحياة وهي الموءودة، وكان يفعل ذلك قبائل من مضر ومن كندة وخزاعة، وهي غلظة في الأكباد، وحمق في العقول وضلال في الفكر، وكان بجوار هؤلاء الحمقى القساة فضلاء عقلاء رفقاء، فكانوا إذا علموا برجل يريد أن يوئد ابنته فدوها بالإبل، وقد قالوا: إن صعصعة بن ناجية عم الفرزدق إذا أحس بشيء من ذلك وجه إلى والد البنت إبلا يستحييها، وقد قال الفرزدق مفتخرا بعمه هذا:


                                                          وعمي الذي منع الوائدات وأحيا الوئيد فلم يوده

                                                          وإن امتهان المرأة ذلك الامتهان لم يكن عند العرب وحدهم، بل كان عند الفرس، وكان عند الرومان، ولم يكن في القانون الروماني أي حماية للمرأة، بل كانت تعد المرأة أمة في بيت أبيها، لو قتلها لا يسأل لم قتلها، وإذا انتقلت إلى بيت زوجها كانت أمة أيضا، ولو قتلها لا دية لها، ولا ملام، وقال تعالى: ألا ساء ما يحكمون (ألا) للتنبيه، و(ساء) في فعل التعجب، فالمعنى ما أسوأ ما يحكمون؛ لأنه سخط وظلم وفساد في التفكير.

                                                          [ ص: 4201 ] ولما جاء القرآن كرمهن وجعل لهن من الحقوق مثل الذي عليهن من الواجبات، وأوجب تأديبها وتعليمها، فقال - صلى الله عليه وسلم -: " من كانت عنده بنت فأدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها، وأسبغ عليها من نعم الله التي أسبغ عليه؛ كانت له سترا أو حجابا من النار ".

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية