الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              278 [ ص: 370 ] (باب منه) وذكره النووي في الباب المتقدم

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 47 - 49 ج3 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الورود فقال نجيء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا، انظر أي ذلك فوق الناس، قال: فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأول فالأول، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول: من تنظرون؟ فيقولون: ننظر ربنا، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: حتى ننظر إليك فيتجلى لهم يضحك، قال: فينطلق بهم ويتبعونه، ويعطى كل إنسان منهم منافق أو مؤمن نورا ثم يتبعونه وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك تأخذ من شاء الله ثم يطفأ نور المنافقين، ثم ينجو المؤمنون، فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفا لا يحاسبون ثم الذين يلونهم كأضوإ نجم في السماء، ثم كذلك ثم تحل الشفاعة ويشفعون حتى يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، فيجعلون بفناء الجنة ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتوا نبات الشيء في السيل، ويذهب حراقه، ثم يسأل حتى تجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها ].

                                                                                                                              [ ص: 371 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 371 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يسأل عن الورود؛ فقال).

                                                                                                                              هذا الحديث جاء كله من كلام جابر موقوفا عليه، وليس هذا من شرط مسلم "إذ ليس فيه ذكر النبي، وإنما ذكره "مسلم" وأدخله في "المسند"؛ لأنه روي مسندا من غير هذا الطريق.

                                                                                                                              وقد نبه "مسلم" على هذا بعد هذا، في حديث ابن أبي شيبة وغيره في الشفاعة. وذكر إسناده، وسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى بعض ما في هذا الحديث فليعلم.

                                                                                                                              "نجيء نحن" يوم القيامة عن كذا وكذا، أنظر أي ذلك فوق الناس" هكذا في جميع الأصول؛ واتفق المتقدمون والمتأخرون على أنه تصحيف وتغيير واختلاط؛ في اللفظ.

                                                                                                                              قال الحافظ عبد الحق: هذا تخليط من أحد الناسخين. وبه قال عياض. وصوابه (على كوم). ويؤيده رواية (على تل).

                                                                                                                              وقد تابعه على هذا جماعة من المتأخرين.

                                                                                                                              "قال: فتدعى الأمم بأوثانها، وما كانت تعبد الأول فالأول.

                                                                                                                              ثم يأتينا ربنا بعد ذلك".

                                                                                                                              والإتيان ثابت للرب تعالى في أحاديث، وآيات كثيرة، وهو صفة [ ص: 372 ] من صفات الله عز وجل لا تعطل ولا تؤول، بل تجري على ظاهرها من غير تكييف، ولا تشبيه، "ليس كمثله شيء".

                                                                                                                              "فيقول من تنظرون؟ فيقولون: ننظر ربنا. فيقول: "أنا ربكم".

                                                                                                                              فيقولون: حتى ننظر إليك. فيتجلى لهم يضحك".

                                                                                                                              "التجلي": هو الظهور وإزالة المانع والحجاب عن الرؤية، أي: يظهر وهو راض عنهم. قاله النووي.

                                                                                                                              وقد تقدم ما هو الصواب في الضحك.

                                                                                                                              "قال: فينطلق بهم ويتبعونه".

                                                                                                                              "وفيه" إثبات الانطلاق. والله أعلم بكيفيته.

                                                                                                                              "ويعطى كل إنسان منهم -منافق أو مؤمن- نورا. ثم يتبعونه وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك، تأخذ من شاء الله. ثم يطفأ نور المنافقين" بفتح الياء وضمها، وهما صحيحان، معناهما ظاهر.

                                                                                                                              "ثم ينجو المؤمنون" هكذا في كثير من الأصول. وفي أكثرها "المؤمنين" بالياء.

                                                                                                                              "فتنجو أول زمرة" أي جماعة، "وجوههم كالقمر ليلة البدر: سبعون ألفا لا يحاسبون" وجاء تفسيرهم في حديث آخر في البخاري.

                                                                                                                              وهم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون".

                                                                                                                              [ ص: 373 ] "ثم الذين يلوهم كأضوء نجم في السماء، ثم كذلك، "ثم"، تحل الشفاعة، ويشفعون، حتى يخرج من النار من قال (لا إله إلا الله) وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة"، قال تعالى:

                                                                                                                              فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره .

                                                                                                                              "فيجعلون بفناء الجنة ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء، حتى ينبتوا نبات الشيء في السيل" هكذا في جميع الأصول.

                                                                                                                              وفي بعضها "نبات الدمن" بكسر الدال وإسكان الميم.

                                                                                                                              وهي في "الجمع بين الصحيحين" لعبد الحق.

                                                                                                                              قال النووي: وكلاهما صحيح. ولكن الأول هو المشهور الظاهر، وهو معنى "نبات الحبة في حميل السيل"، ومعنى "نبات الدمن" أيضا كذلك، فإن "المن" البعر.

                                                                                                                              والتقدير "نبات ذي الأمن في السيل" أي كما ينبت الشيء الحاصل في البعر والغثاء، الموجود في أطراف النهر.

                                                                                                                              والمراد التشبيه في السرعة والنضارة. ولم ينقح صاحب "المطالع" الكلام في تنقيحها بل قال: عندي أنها رواية صحيحة.

                                                                                                                              ومعناه: سرعة نبات الأمن، مع ضعف ما ينبت فيه، وحسن منظره، والله أعلم.

                                                                                                                              "ويذهب حراقه" بضم الحاء وتخفيف الراء، والضمير يعود على [ ص: 374 ] المخرج من النار، وعليه يعود الضمير في قوله "ثم يسأل".

                                                                                                                              ومعنى "حراقه" أثر النار. والله أعلم.

                                                                                                                              "حتى تجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها".

                                                                                                                              وفي حديث المغيرة بن شعبة، عند مسلم، قال: "سأل موسى عليه السلام ربه: ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: هو رجل يجيء بعد ما أدخل أهل الجنة "الجنة"، فقال له: ادخل الجنة: فيقول: أي رب! كيف وقد نزل الناس منازلهم، وأخذوا أخذاتهم؟ فقال له: أترضى أن يكون لك مثل "ملك" من ملوك الدنيا؟ يقول: رضيت "رب!" يقول: لك ذلك، ومثله، ومثله، ومثله، ومثله، ومثله، فقال في الخامسة: رضيت رب! فيقول: هذا لك وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك، ولذت عينك. فيقول: رضيت رب! قال: رب! فأعلاهم منزلة. قال: أولئك الذين أردت، غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها. فلم تر عين ولم تسمع أذن، وكم يخطر على قلب بشر. قال: ومصداقه في كتاب الله عز وجل:

                                                                                                                              فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين الآية.





                                                                                                                              الخدمات العلمية