الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          رسالات الله والعظة في خلقه

                                                          قال الله تعالى:

                                                          [ ص: 4205 ] تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم وما أنـزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون والله أنـزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآية لقوم يسمعون وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون

                                                          الكلام مفصول عما قبله باللفظ، وإن كان المقام بيان أحوال الشرك، وكيف يزين للمشركين سوء عملهم، فيرونه حسنا، وهو السوء فقال تعالى:

                                                          تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم

                                                          أكد سبحانه وتعالى بالقسم، وباللام وبـ (قد)، وكان القسم بـ(الباء)، لا بالتاء ولمعنى الشدة في مخرجها، كان في القسم بهذه الصيغة تشديدا، و (أرسلنا) أضاف الإرسال إليه سبحانه وتعالى وليعلم أن الرسالة من الله سبحانه وتعالى رب هذا الوجود، والأعلم بما يصلح الناس، وما يخاطبون به، وما يبلغون الرسالة عن طريقهم، وأنهم رجال يأكلون ويشربون ويمشون في الأسواق، ويموتون، كما قال الله تعالى: وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون

                                                          [ ص: 4206 ] وقوله تعالى: إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم إلى أمم مختلفة أزمانهم متباينة مشاربهم وأجناسهم، ولكنهم التقوا على أمر جامع بينهم، وهو الشيطان يزين لهم أعمالهم الفاسدة المفرقة لجمعهم، ولذا قال سبحانه: فزين لهم الشيطان أعمالهم و (الفاء) للترتيب والتعقيب، أي أن الله تعالى أرسل إليهم الرسل بالهداية، فكان وراء الرسول الهادي تزيين الشيطان يهدم ما يدعو إليه الرسول، يزين في قلوبهم الخبيث فيجعله حسنا في زعمهم، والله تعالى يقرر على لسان رسوله أنه باطل ما يصنعون.

                                                          وتزيين الشيطان لهم أنه يأتيهم من قبل أهوائهم وشهواتهم فيزين لهم الشر فيما نهى الله عنه، كما قال جد الأبالسة لأبي الخليقة آدم ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين

                                                          فهو وليهم اليوم الفاء لترتيب ولايته لهم، أي الولاء والمحبة على التزيين، أي أنه إذ زين لهم الشهوات فحسبوها المصلحة والحقيقة الحسنة العقبى صار صاحب الولاية، والولاء والمحبة منهم يسيرهم كما يشاء.

                                                          والضمير في وليهم يصح أن يعود إلى الأمم، أي أن الشيطان بعد هذا التزيين صار صاحب الولاية عليهم، يصرفهم اليوم كما يشاء، فأسلموا زمامهم له، وفى ذلك سلوى للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، ويصح أن يكون الضمير يعود على قريش بقياسهم على من سبقوهم، وتقرير أنهم أولياء الشيطان بهذا التزيين المستمر، ثم ذكر العاقبة، فقال عز من قائل: ولهم عذاب أليم أي: مؤلم إيلاما لا نعرف له في الدنيا حدودا، وولايتهم على أي حال في الدنيا، وأما في الآخرة فيتبرأ منهم.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية