الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 229 ] 186 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله : وارفعوا عن بطن عرنة ، يعني في الوقوف

1194 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس البغدادي قال : حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي قال : حدثنا ابن عيينة ، عن زياد بن سعد ، عن أبي الزبير ، عن أبي معبد ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عرفة كلها موقف ، وارفعوا عن بطن عرنة . والمزدلفة كلها موقف ، وارفعوا عن بطن محسر . وشعاب منى كلها منحر .

[ ص: 230 ] قال أبو جعفر : ولم نجد هذا الحديث من رواية أحد من أصحاب ابن عيينة في إسناده أتم منه من رواية أبي الأشعث . وقد حدثنا عيسى بن إبراهيم الغافقي به ناقصا في إسناده وفي متنه جميعا .

1195 - حدثنا عيسى بن إبراهيم قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن أبي الزبير ولم يذكر زيادا ، عن أبي معبد ، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ارفعوا عن محسر ، وعليكم بحصى الخذف .

[ ص: 231 ] قال أبو جعفر : فاحتجنا إلى الوقوف على قوله - صلى الله عليه وسلم - : ارفعوا عن بطن عرنة ؛ ما الذي يريد به ؟ هل هو لأن بطن عرنة ليس من عرفة التي يوقف بها للحج ؟ أم لغير ذلك . ؟

1196 - فوجدنا بكار بن قتيبة قد حدثنا قال : حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير الأسدي الكوفي قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة ، عن زيد بن علي ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفة فقال : هذه عرفة وهذا الموقف وعرفة كلها موقف ، وجمع كلها موقف .

[ ص: 232 ]

1197 - ووجدنا يونس بن عبد الأعلى قد حدثنا قال : حدثنا عبد الله بن وهب قال : حدثني أسامة بن زيد الليثي أن عطاء بن أبي رباح حدثه أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : كل عرفة موقف ، وكل المزدلفة موقف .

1198 - ووجدنا محمد بن عمرو بن تمام الكلبي أبا الكروس قد حدثنا قال : حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال : حدثني ميمون بن يحيى بن مسلم بن الأشج ، عن مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج ، عن أبيه قال : سمعت أسامة بن زيد يقول : سمعت عبد الله بن أبي حسين يخبر عن عطاء بن أبي رباح وعطاء جالس يسمع قال : قال عطاء : سمعت جابر بن عبد الله السلمي يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كل عرفة موقف ، وكل المزدلفة موقف ، وكل منى منحر ، وكل فجاج مكة طريق ومنحر .

[ ص: 233 ]

1199 - ووجدنا أحمد بن شعيب قد حدثنا قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال : حدثنا يحيى بن سعيد قال : حدثنا جعفر بن محمد قال : حدثني أبي قال : أتينا جابر بن عبد الله فسألناه عن حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - فحدثنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال : عرفة كلها موقف .

قال أبو جعفر : فاحتجنا إلى أن نقف على المعنى الذي به أمر بالرفع عن بطن عرنة ما المراد به . ؟

1200 - فوجدنا أبا أمية قد حدثنا قال : حدثنا محمد بن زياد بن زبار الكلبي قال : حدثنا شرقي بن قطامي ، عن أبي طلق العائذي ، عن شراحيل بن القعقاع قال : [ ص: 234 ] سمعت عمرو بن معدي يقول : كنا عشية عرفة ببطن عرنة نتخوف أن يخطفنا الجن ، فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أجيزوا إليهم ؛ فإنهم إن أسلموا إخوانكم .

قال أبو جعفر : هكذا حدثناه أبو أمية ؛ فإنهم إن أسلموا إخوانكم ، وهو عندنا - والله أعلم - فإنهم إذ أسلموا إخوانكم ، أي إذ صاروا مسلمين .

فكان في هذا الحديث أنهم كانوا يقفون عشية عرفة ببطن عرنة خوفا منهم على أنفسهم أن يخطفهم الجن ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهم أن يجيزوا إليهم أي ما سوى بطن عرنة من عرفة ، وهي المواضع التي كانت الجن فيها قبل ذلك ، وكانوا يتخوفون إن وقفوا بها من غوائلهم ما كانوا يتخوفونه ، فأعلمهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم إخوانهم ؛ إذ قد أسلموا وفي ذلك ما قد دل على أن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس بذلك كان بعد إسلام الجن .

[ ص: 235 ] فإن قال قائل : أفيجوز أن يكون الجن كانوا قبل إسلامهم يحجون ؟ قيل له : وما تنكر من ذلك ؟ قد كان كفار الآدميين يحجون كما يحج المسلمون حتى نسخ الله ذلك بقوله : إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا .

وكان ذلك النسخ مما كان من النذارة التي أنذروا بها في الحجة التي حجها أبو بكر وسنذكر ذلك ، وما قد روي عنه فيه في موضعه مما بعد من كتابنا هذا إن شاء الله . والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية