الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2326 ) فصل : وإذا لبس الخفين ، لعدم النعلين ، لم يلزمه قطعهما ، في المشهور عن أحمد ، ويروى ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه . وبه قال عطاء . وعكرمة ، وسعيد بن سالم القداح .

                                                                                                                                            وعن أحمد ، أنه يقطعهما ، حتى يكونا أسفل من الكعبين ، فإن لبسهما من غير قطع ، افتدى . وهذا قول عروة بن الزبير ، ومالك ، والثوري ، والشافعي ، وإسحاق ، وابن المنذر ، وأصحاب الرأي ; لما روى ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { فمن لم يجد نعلين ، فليلبس الخفين ، وليقطعهما ، حتى يكونا أسفل من الكعبين } . متفق عليه ، وهو متضمن لزيادة على حديث ابن عباس ، وجابر ، والزيادة من الثقة مقبولة .

                                                                                                                                            قال الخطابي : العجب من أحمد في هذا ، فإنه لا يكاد يخالف سنة تبلغه ، وقلت سنة لم تبلغه . واحتج أحمد بحديث ابن عباس ، وجابر : ( من لم يجد نعلين ، فليلبس خفين ) . مع قول علي رضي الله عنه : قطع الخفين فساد ، يلبسهما كما هما . مع موافقة القياس ، فإنه ملبوس أبيح لعدم غيره ، فأشبه السراويل ، وقطعه لا يخرجه عن حالة الحظر ، فإن لبس المقطوع محرم مع القدرة على النعلين ، كلبس الصحيح ، وفيه إتلاف ماله ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعته . فأما حديث ابن عمر ، فقد قيل إن قوله : ( وليقطعهما ) من كلام نافع . كذلك رويناه في ( أمالي أبي القاسم بن بشران ) ، بإسناد صحيح ، أن نافعا قال بعد روايته للحديث : وليقطع الخفين أسفل من الكعبين .

                                                                                                                                            وروى ابن أبي موسى ، عن صفية بنت أبي عبيد ، عن [ ص: 139 ] عائشة رضي الله عنها { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للمحرم أن يلبس الخفين ، ولا يقطعهما } ، وكان ابن عمر يفتي بقطعهما ، قالت صفية : فلما أخبرته بهذا رجع . وروى أبو حفص ، في ( شرحه ) بإسناده عن عبد الرحمن بن عوف ، { أنه طاف وعليه خفان ، فقال له عمر : والخفان مع القباء ، فقال : قد لبستهما مع من هو خير منك } . يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم . ويحتمل أن يكون الأمر بقطعهما منسوخا ; فإن عمرو بن دينار روى الحديثين جميعا ، وقال : انظروا أيهما كان قبل ; قال الدارقطني ، قال أبو بكر النيسابوري . حديث ابن عمر قبل ; لأنه قد جاء في بعض رواياته ، قال : { نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد ، يعني بالمدينة ، فكأنه كان قبل الإحرام } .

                                                                                                                                            وفي حديث ابن عباس يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم { يخطب بعرفات ، يقول : من لم يجد نعلين ، فليلبس خفين } . فيدل على تأخره عن حديث ابن عمر فيكون ناسخا له ، لأنه لو كان القطع واجبا لبينه للناس ، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه ، والمفهوم من إطلاق لبسهما لبسهما على حالهما من غير قطع . والأولى قطعهما ، عملا بالحديث الصحيح ، وخروجا من الخلاف ، وأخذا بالاحتياط .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية