الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله: إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم لفظ "يصدون"؛ لفظ مستقبل؛ عطف به على لفظ الماضي؛ لأن معنى "الذين كفروا": الذين هم كافرون؛ فكأنه قال: "إن الكافرين والصادين"؛ وخبر "إن"؛ فيه قولان؛ أحدهما أن يكون محذوفا؛ فيكون المعنى: "إن الذين هذه صفتهم هلكوا".

                                                                                                                                                                                                                                        وجائز أن يكون - وهو الوجه - الخبر "نذقه من عذاب أليم"؛ فيكون المعنى: "إن الكافرين والملحدين في المسجد الحرام نذيقهم من عذاب أليم"؛ وقوله (تعالى): سواء العاكف فيه والباد ؛ القراءة الرفع في " سواء " ؛ ورفعه من جهتين؛ إحداهما أن يكون وقف التمام هو: الذي جعلناه للناس ؛ كما قال: إن أول بيت وضع للناس

                                                                                                                                                                                                                                        ويكون سواء العاكف فيه والباد ؛ على الابتداء والخبر؛ ويجوز أن يكون على "جعلناه سواء العاكف فيه"؛ فيرتفع "سواء"؛ على الابتداء؛ ويكون الخبر ههنا "العاكف فيه"؛ أعني خبر "سواء": "العاكف"؛ ويكون خبر "جعلناه"؛ الجملة .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 421 ] وتفسير قوله: سواء العاكف فيه والباد ؛ أنه يستوي في سكنى مكة المقيم بها؛ والنازح إليها من أي بلد كان؛ وقيل: "سواء في تفضيله وإقامة المناسك العاكف المقيم بالحرم؛ والنازح إليه".

                                                                                                                                                                                                                                        وقوله: ومن يرد فيه بإلحاد بظلم ؛ قيل: "الإلحاد فيه": الشرك بالله؛ وقيل: كل ظالم فيه ملحد؛ وجاء عن عمر أن احتكار الطعام بمكة إلحاد ؛ وقال أهل اللغة: إن معنى الباء الطرح؛ المعنى: "ومن يرد فيه إلحادا بظلم"؛ وأنشدوا قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        هن الحرائر لا ربات أحمرة سود المحاجر لا يقرأن بالسور

                                                                                                                                                                                                                                        المعنى عندهم: "لا يقرأن السور"؛ وأنشدوا:


                                                                                                                                                                                                                                        بواد يمان ينبت البث فرعه     وأسفله بالمرخ والشبهان

                                                                                                                                                                                                                                        أي: وينبت أسفله المرخ والشبهان"؛ والذي يذهب إليه أصحابنا أن الباء ليست بملغاة؛ المعنى عندهم: "ومن إرادته فيه بأن يلحد بظلم"؛ وهو مثل قوله:


                                                                                                                                                                                                                                        أريد لأنسى ذكرها فكأنما     تمثل لي ليلى بكل سبيل

                                                                                                                                                                                                                                        المعنى: "أريد؛ وإرادتي لهذا؛ ومعنى "الإلحاد"؛ في اللغة: العدول عن القصد.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية