الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ حلف ] حلف : الحلف والحلف : القسم لغتان ، حلف أي أقسم يحلف حلفا وحلفا وحلفا ومحلوفا ، وهو أحد ما جاء من المصادر على مفعول مثل المجلود والمعقول والمعسور والميسور ، والواحدة حلفة ; قال امرؤ القيس :


                                                          حلفت لها بالله حلفة فاجر : لناموا فما إن من حديث ولا صالي



                                                          ويقولون : محلوفة بالله ما قال ذلك ، ينصبون على إضمار يحلف بالله محلوفة أي قسما ، والمحلوفة هو القسم . الأزهري عن الأحمر : حلفت محلوفا مصدر . ابن بزرج : لا ومحلوفائه لا أفعل ، يريد ومحلوفه فمدها . وحلف أحلوفة ; هذه عن اللحياني . ورجل حالف وحلاف وحلافة : كثير الحلف . وأحلفت الرجل وحلفته واستحلفته بمعنى واحد ، ومثله أرهبته واسترهبته ، وقد استحلفه بالله ما فعل ذلك وحلفه وأحلفه ; قال النمر بن تولب :


                                                          قامت إلي فأحلفتها     بهدي قلائده تختنق



                                                          وفي الحديث : " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها " ، الحلف : اليمين وأصلها العقد بالعزم والنية فخالف بين اللفظين تأكيدا لعقده وإعلاما أن لغو اليمين لا ينعقد تحته . وفي حديث حذيفة قال له جندب : تسمعني أحالفك منذ اليوم وقد سمعته من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فلا تنهاني ; أحالفك أفاعلك من الحلف اليمين . والحلف ، بالكسر ، العهد يكون بين القوم . وقد حالفه أي عاهده ، وتحالفوا أي تعاهدوا . وفي حديث أنس : حالف رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بين المهاجرين والأنصار في دارنا مرتين أي آخى بينهم ، وفي رواية : حالف بين قريش والأنصار أي آخى بينهم لأنه لا حلف في الإسلام . وفي حديث آخر : لا حلف في الإسلام . قال ابن الأثير : أصل الحلف المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق ، فما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال بين القبائل والغارات فذلك الذي ورد النهي عنه في الإسلام بقوله ، صلى الله عليه وسلم : لا حلف في الإسلام ، وما كان منه في الجاهلية على نصر المظلوم وصلة الأرحام كحلف المطيبين وما جرى مجراه فذلك الذي قال فيه رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة ، يريد من المعاقدة على الخير ونصرة الحق ، وبذلك يجتمع الحديثان ، وهذا هو الحلف الذي يقتضيه الإسلام والممنوع منه ما خالف حكم الإسلام ، وقيل : المحالفة كانت قبل الفتح ، وقوله لا حلف في الإسلام قاله زمن الفتح ; فكان ناسخا وكان ، عليه السلام ، وأبو بكر من المطيبين وكان عمر من الأحلاف ، والأحلاف ست قبائل : عبد الدار وجمح ومخزوم وبنو عدي وكعب وسهم . والحليف : المحالف . الليث : يقال حالف فلان فلانا ، فهو حليفه ، وبينهما حلف لأنهما تحالفا الأيمان أن يكون أمرهما واحدا بالوفاء ، فلما لزم ذلك عندهم في الأحلاف التي في العشائر والقبائل صار كل شيء لزم شيئا فلم يفارقه فهو حليفه حتى يقال : فلان حليف الجود وفلان حليف الإكثار وفلان حليف الإقلال ; وأنشد قول الأعشى :


                                                          وشريكين في كثير من     المال ، وكانا محالفي إقلال



                                                          وحالف فلان بثه وحزنه أي لازمه . ابن الأعرابي : الأحلاف في قريش خمس قبائل : عبد الدار وجمح وسهم ومخزوم وعدي بن كعب سموا بذلك لما أرادت بنو عبد مناف أخذ ما في يدي عبد الدار من الحجابة والرفادة واللواء والسقاية ، وأبت بنو عبد الدار ، عقد كل قوم على أمرهم حلفا مؤكدا على أن لا يتخاذلوا ، فأخرجت عبد مناف جفنة مملوءة طيبا فوضعوها لأحلافهم في المسجد عند الكعبة ، وهم أسد وزهرة وتيم ، ثم غمس القوم أيديهم فيها وتعاقدوا ثم مسحوا الكعبة بأيديهم توكيدا فسموا المطيبين ، وتعاقدت بنو عبد الدار وحلفاؤها حلفا آخر مؤكدا على أن لا يتخاذلوا فسموا الأحلاف ; وقال الكميت يذكرهم :


                                                          نسبا في المطيبين وفي الأح     لاف حل الذؤابة الجمهورا



                                                          قال : وروى ابن عيينة عن ابن جريج عن أبي مليكة قال : كنت عند ابن عباس فأتاه ابن صفوان فقال : نعم الإمارة إمارة الأحلاف كانت لكم ! قال : الذي كان قبلها خير منها ، كان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، من المطيبين وكان أبو بكر من المطيبين ، وكان عمر من الأحلاف ، يعني إمارة عمر . وسمع ابن عباس نادبة عمر ، رضي الله عنه ، وهي تقول : يا سيد الأحلاف ! فقال ابن عباس : نعم والمحتلف عليهم ، يعني المطيبين . قال الأزهري : وإنما ذكرت ما اقتصه ابن الأعرابي لأن القتيبي ذكر المطيبين والأحلاف فخلط فيما فسر ولم يؤد القصة على وجهها ، قال : وأرجو أن يكون ما رواه شمر عن ابن الأعرابي صحيحا . وفي حديث ابن عباس : وجدنا ولاية المطيبي خيرا من ولاية الأحلافي ، يريد أبا بكر و عمر ، يريد أن أبا بكر كان من المطيبين وعمر من الأحلاف ; قال ابن الأثير : وهذا أحد ما جاء من النسب لا يجمع لأن الأحلاف صار اسما لهم كما صار الأنصار اسما للأوس والخزرج ، والأحلاف الذين في شعر زهير هم : أسد وغطفان ، لأنهم تحالفوا على التناصر ; قال ابن بري : والذي أشار إليه من شعر زهير هو قوله :


                                                          تداركتما الأحلاف قد ثل عرشها     وذبيان قد زلت بأقدامها النعل



                                                          قال : وفي قوله أيضا :


                                                          ألا أبلغ الأحلاف عني رسالة     وذبيان : هل أقسمتم كل مقسم ؟



                                                          قال ابن سيده : والحليفان أسد وغطفان صفة لازمة لهما لزوم الاسم . ابن سيده : الحلف العهد لأنه لا يعقد إلا بالحلف ، والجمع أحلاف . وقد حالفه محالفة وحلافا ، وهو حلفه وحليفه ; وقول أبي ذؤيب :

                                                          [ ص: 197 ]

                                                          فسوف تقول ، إن هي لم تجدني :     أخان العهد أم أثم الحليف ؟



                                                          الحليف : الحالف فيما كان بينه وبينها ليفين ، والجمع أحلاف وحلفاء ، وهو من ذلك لأنهما تحالفا أن يكون أمرهما واحدا بالوفاء . الجوهري : الأحلاف أيضا قوم من ثقيف لأن ثقيفا فرقتان بنو مالك والأحلاف ، ويقال لبني أسد وطيء الحليفان ، ويقال أيضا لفزارة ولأسد حليفان لأن خزاعة لما أجلت بني أسد عن الحرم خرجت فحالفت طيئا ثم حالفت بني فزارة . ابن سيده : كل شيء مختلف فيه ، فهو محلف لأنه داع إلى الحلف ، ولذلك قيل حضار والوزن محلفان ، وذلك أنهما نجمان يطلعان قبل سهيل من مطلعه فيظن الناس بكل واحد منهما أنه سهيل ، فيحلف الواحد أنه سهيل ويحلف الآخر أنه ليس به . وناقة محلفة إذا شك في سمنها حتى يدعو ذلك إلى الحلف . الأزهري : ناقة محلفة السنام لا يدرى أفي سنامها شحم أم لا ; قال الكميت :


                                                          أطلال محلفة الرسو     م بألوتي بر وفاجر



                                                          أي يحلف اثنان : أحدهما على الدروس والآخر على أنه ليس بدارس فيبر أحدهما في يمينه ويحنث الآخر ، وهو الفاجر . ويقال : كميت محلف إذا كان بين الأحوى والأحم حتى يختلف في كمتته ، وكميت غير محلف إذا كان أحوى خالص الحوة أو أحم بين الحمة . وفي الصحاح : كميت محلفة وفرس محلف ومحلفة ، وهو الكميت الأحم والأحوى لأنهما متدانيان حتى يشك فيهما البصيران فيحلف هذا أنه كميت أحوى ، ويحلف هذا أنه كميت أحم ; قال ابن كلحبة اليربوعي واسمه هبيرة بن عبد مناف وكلحبة أمه :


                                                          تسائلني بنو جشم بن بكر :     أغراء العرادة أم بهيم ؟
                                                          كميت غير محلفة ، ولكن     كلون الصرف عل به الأديم



                                                          يعني أنها خالصة اللون لا يحلف عليها أنها ليست كذلك ، والصرف : شيء أحمر يدبغ به الجلد . وقال ابن الأعرابي : معنى محلفة هنا أنها فرس لا تحوج صاحبها إلى أن يحلف أنه رأى مثلها كرما ، والصحيح هو الأول . والمحلف من الغلمان : المشكوك في احتلامه لأن ذلك ربما دعا إلى الحلف . الليث : أحلف الغلام إذا جاوز رهاق الحلم ، قال : وقال بعضهم قد أحلف . قال أبو منصور : أحلف الغلام بهذا المعنى خطأ ، إنما يقال أحلف الغلام إذا راهق الحلم فاختلف الناظرون إليه ، فقائل يقول قد احتلم وأدرك ويحلف على ذلك ، وقائل يقول غير مدرك ويحلف على قوله . وكل شيء يختلف فيه الناس ولا يقفون منه على أمر صحيح ، فهو محلف . والعرب تقول للشيء المختلف فيه : محلف ومحنث . والحليف : الحديد من كل شيء ، وفيه حلافة ، وإنه لحليف اللسان على المثل بذلك أي حديد اللسان فصيح . وسنان حليف أي حديد . قال الأزهري أراه جعل حليفا لأنه شبه حدة طرفه بحدة أطراف الحلفاء . وفي حديث الحجاج أنه قال ليزيد بن المهلب : ما أمضى جنانه وأحلف لسانه ! أي ما أمضاه وأذربه من قولهم سنان حليف أي حديد ماض . والحلف والحلفاء : من نبات الأغلاث ، واحدتها حلفة وحلفة وحلفاء وحلفاة ; قال سيبويه : حلفاء واحدة وحلفاء للجميع لما كان يقع للجميع ولم يكن اسما كسر عليه الواحد ، أرادوا أن يكون الواحد من بناء فيه علامة التأنيث كما كان ذلك في الأكثر الذي ليست فيه علامة التأنيث ، ويقع مذكرا نحو التمر والبر والشعير وأشباه ذلك ، ولم يجاوزوا البناء الذي يقع للجميع حيث أرادوا واحدا فيه علامة التأنيث لأنه فيه علامة التأنيث ، فاكتفوا بذلك وبينوا الواحدة بأن وصفوها بواحدة ، ولم يجيئوا بعلامة سوى العلامة التي في الجمع لتفرق بين هذا وبين الاسم الذي يقع للجميع وليس فيه علامة التأنيث نحو التمر والبسر . وأرض حلفة ومحلفة : كثيرة الحلفاء . وقال أبو حنيفة : أرض حلفة تنبت الحلفاء . الليث : الحلفاء نبات حمله قصب النشاب . قال الأزهري : الحلفاء نبت أطرافه محددة كأنها أطراف سعف النخل والخوص ، ينبت في مغايض الماء والنزوز ، الواحدة حلفة مثل قصبة وقصباء وطرفة وطرفاء . وقال سيبويه : الحلفاء واحد وجمع ، وكذلك طرفاء وبهمى وشكاعى واحدة وجمع . ابن الأعرابي : الحلفاء الأمة الصخابة . الجوهري : الحلفاء نبت في الماء ، وقال الأصمعي : حلفة ، بكسر اللام . وفي حديث بدر : أن عتبة بن ربيعة برز لعبيدة فقال : من أنت ؟ قال : أنا الذي في الحلفاء ; أراد أنا الأسد لأن مأوى الأسد الآجام ومنابت الحلفاء ، وهو نبت معروف ، وقيل : هو قصب لم يدرك . والحلفاء : واحد يراد به الجمع كالقصباء والطرفاء ، وقيل : واحدته حلفاة . وحليف وحليف : اسمان . وذو الحليفة : موضع ; وقال ابن هرمة :


                                                          لم ينس ركبك يوم زال مطيهم     من ذي الحليف ، فصبحوا المسلوقا



                                                          يجوز أن يكون ذو الحليف عنده لغة في ذي الحليفة ، ويجوز أن يكون حذف الهاء من ذي الحليفة في الشعر كما حذفها الآخر من العذيبة في قوله وهو كثير عزة :


                                                          لعمري ، لئن أم الحكيم ترحلت     وأخلت بخيمات العذيب ظلالها



                                                          وإنما اسم الماء العذيبة ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية