الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2333 ) مسألة : قال : ( ويلبس الهميان ، ويدخل السيور بعضها في بعض ، ولا يعقدها ) وجملة ذلك أن لبس الهميان مباح للمحرم ، في قول أكثر أهل العلم . روي ذلك عن ابن عباس ، وابن عمر ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء ومجاهد ، وطاوس ، والقاسم ، والنخعي ، والشافعي ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                            قال ابن عبد البر : أجاز ذلك جماعة فقهاء الأمصار ، متقدموهم ومتأخروهم . ومتى أمكنه أن يدخل السيور بعضها في بعض ، ويثبت بذلك ، لم يعقده ; لأنه لا حاجة إلى عقده ، وإن لم يثبت إلا بعقده عقده . نص عليه أحمد . وهو قول إسحاق . وقال إبراهيم : كانوا يرخصون في عقد الهميان للمحرم ، ولا يرخصون في عقد غيره . وقالت عائشة : أوثق عليك نفقتك .

                                                                                                                                            وذكر القاضي ، في ( الشرح ) ، أن ابن عباس قال : { رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحرم في الهميان أن يربطه ، إذا كانت فيه نفقته . } وقال ابن عباس : أوثقوا عليكم نفقاتكم . ورخص في الخاتم والهميان للمحرم .

                                                                                                                                            وقال مجاهد ، عن ابن عمر ، أنه سئل عن المحرم يشد الهميان عليه ، فقال : لا بأس به ، إذا كانت فيه نفقته ، يستوثق من نفقته . ولأنه مما تدعو الحاجة إلى شده ، فجاز ، كعقد الإزار . فإن لم يكن في الهميان نفقة ، لم يجز عقده ، لعدم الحاجة إليه ، وكذلك المنطقة .

                                                                                                                                            وقد روي عن ابن عمر أنه كره الهميان والمنطقة للمحرم ، وكرهه نافع مولاه . وهو محمول على ما ليس فيه نفقة ; لما تقدم من الرخصة فيما فيه النفقة ، وسئل أحمد عن المحرم يلبس المنطقة من وجع الظهر ، أو حاجة إليها . قال : يفتدي . فقيل له : أفلا تكون مثل الهميان ؟ قال : لا .

                                                                                                                                            وعن ابن عمر [ ص: 141 ] أنه كره المنطقة للمحرم ، وأنه أباح شد الهميان ، إذا كانت فيه النفقة ، والفرق بينهما أن الهميان تكون فيه النفقة ، والمنطقة لا نفقة فيها ، فأبيح شد ما فيه النفقة ، للحاجة إلى حفظها ، ولم يبح شد ما سوى ذلك . فإن كانت فيهما نفقة ، أو لم يكن فيهما نفقة ، فهما سواء .

                                                                                                                                            وقد قالت عائشة في المنطقة للمحرم : أوثق عليك نفقتك . فرخصت فيها إذا كانت فيها النفقة . ولم يبح أحمد شد المنطقة لوجع الظهر ، إلا أن يفتدي ; لأن المنطقة ليست معدة لذلك ، ولأنه فعل لمحظور في الإحرام لدفع الضرر عن نفسه ، أشبه من لبس المخيط لدفع البرد ، أو حلق رأسه لإزالة أذى القمل ، أو تطيب لأجل المرض .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية