الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى ( وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون ( 123 ) )

قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه : وكما زينا للكافرين ما كانوا يعملون ، كذلك جعلنا بكل قرية عظماءها مجرميها يعني أهل الشرك بالله والمعصية له ( ليمكروا فيها ) ، بغرور من القول أو بباطل من الفعل ، بدين الله وأنبيائه ( وما يمكرون ) : أي ما يحيق مكرهم ذلك ، إلا بأنفسهم ؛ لأن الله تعالى ذكره من وراء عقوبتهم على صدهم عن سبيله " وهم لا يشعرون " ، يقول : لا يدرون ما قد أعد الله لهم من أليم عذابه ، فهم في غيهم وعتوهم على الله يتمادون .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 94 ]

13847 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( أكابر مجرميها ) ، قال : عظماءها .

13848 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

13849 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( أكابر مجرميها ) ، قال : عظماءها .

13850 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة : نزلت في المستهزئين قال ابن جريج ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن عكرمة : ( أكابر مجرميها ) ، إلى قوله : ( بما كانوا يمكرون ) ، بدين الله ، وبنبيه عليه الصلاة والسلام وعباده المؤمنين .

والأكابر : جمع " أكبر " ، كما " الأفاضل " جمع " أفضل " . ولو قيل : هو جمع " كبير " ، فجمع " أكابر " ؛ لأنه قد يقال : " أكبر " ، كما قيل : ( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ) ، [ سورة الكهف : 103 ] ، واحدهم " الخاسر " ، لكان صوابا . وحكي عن العرب سماعا " الأكابرة " و " الأصاغرة " ، و " الأكابر " ، و " الأصاغر " ، بغير الهاء ، على نية النعت ، كما يقال : " هو أفضل منك " . وكذلك تفعل العرب بما جاء من النعوت على " أفعل " ، إذا أخرجوها إلى الأسماء ، مثل جمعهم " الأحمر " و " الأسود " ، " الأحامر " و " الأحامرة " ، و " الأساود " و " الأساودة " ، ومنه قول الشاعر :


إن الأحامرة الثلاثة أهلكت مالي ، وكنت بهن قدما مولعا [ ص: 95 ]     الخمر واللحم السمين إدامه
والزعفران ، فلن أروح مبقعا



وأما " المكر " ، فإنه الخديعة والاحتيال للممكور به بالغدر ، ليورطه الماكر به مكروها من الأمر .

التالي السابق


الخدمات العلمية