الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          باب ميراث المفقود وإذا انقطع خبره لغيبة ، ظاهرها السلامة كالتجارة ونحوها ، انتظر به تمام تسعين من يوم ولد ، وعنه : ينتظر أبدا ، وإن كان ظاهرها الهلاك كالذي يفقد من بين أهله ، أو في مفازة مهلكة ، كالحجاز ، أو بين الصفين حال الحرب ، أو في البحر إذا غرقت سفينته ، انتظر به تمام أربع سنين ، ثم يقسم ماله وعنه : التوقف ، فإن مات موروثه في مدة التربص ، دفع إلى كل وارث اليقين ، ووقف الباقي ، فإن قدم أخذ نصيبه ، وإن لم يأت فحكمه حكم ماله ولباقي الورثة أن يصطلحوا على ما زاد عن نصيبه ، فيقسموه .

                                                                                                                          [ ص: 215 ]

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          [ ص: 215 ] باب ميراث المفقود

                                                                                                                          هو اسم مفعول من : فقدت الشيء أفقده فقدا وفقدانا بكسر الفاء وضمها .

                                                                                                                          ( وإذا انقطع خبره ) أي : لم يعلم ( لغيبة ظاهرها السلامة كالتجارة ونحوها ) كالسياحة وطلب العلم والأسر ( انتظر به تمام ) أي تتمة ( تسعين سنة من يوم ولد ) هذا أشهر الروايتين ، قاله في " المستوعب " ، وهو قول عبد الملك بن الماجشون ; لأن الأصل الحياة ، والغالب أن لا يعيش أكثر منها ( وعنه : ينتظر أبدا ) فلا يقسم ماله ، ولا تتزوج امرأته حتى يعلم موته ، أو تمضي مدة لا يعيش في مثلها ، فيجتهد الحاكم ، وقاله أكثر العلماء ; لأن التقدير لا يصار إليه إلا بنص ، وهو منتف هنا ، وكغيبة ابن تسعين سنة ، ذكره في الترغيب ، وعنه : ينتظر أبدا حتى يتيقن موته ، وعنه : زمنا لا يعيش مثله غالبا ، اختاره أبو بكر وغيره ، وقال عبد الله بن الحكم : ينتظر به تمام سبعين سنة مع سنة يوم فقد لأثر ، وقال ابن رزين يحتمل عندي أربع سنين لقضاء عمر ، وفيه شيء ; لأنه إنما هو في مهلكة ، وقال ابن عقيل : مائة وعشرين سنة منذ ولد ، وهو قول الحسن بن زياد ، فلو فقد وهو ابن ستين ، لم يقسم ماله حتى تمضي عليه ستون سنة أخرى ، فيقسم حينئذ بين ورثته ، إن كانوا أحياء ، وإن مات بعضهم قبل مضي مائة وعشرين سنة ، وخلف ورثة ، لم يكن له شيء من مال المفقود ، وكان ماله للأحياء منهم ، فإن مضت المدة ، ولم يعلم خبر المفقود ، رد الموقوف إلى ورثة موروث المفقود ، ولم [ ص: 216 ] يكن لورثة المفقود ، وحكى الخبري : أنه الصحيح عنده ، والذي ذكرناه حكاه ابن اللبان عن اللؤلئي ( وإن كان ظاهرها الهلاك كالذي يفقد من بين أهله ) كمن يخرج إلى الصلاة ، أو في حاجة قريبة ، فلا يعود ( أو في مفازة ) هي واحدة المفاوز ، قال ابن الأعرابي : سميت به تفاؤلا بالسلامة ، ويجوز أن يكون سميت مفازة من فاز يفوز ، إذا مات ، حكاها ابن القطاع ، فيكون من الأضداد ( مهلكة ) بفتح الميم ، واللام ، ويجوز كسرها ، حكاهما أبو السعادات ، ويجوز ضم الميم مع كسر اللام اسم فاعل من أهلكت فهي مهلكة ، وهي أرض يكثر فيها الهلاك ( كالحجاز ، أو بين الصفين حال الحرب ، أو في البحر إذا غرقت سفينته ) فسلم قوم دون آخرين ( انتظر به تمام أربع سنين ) لأنها أكثر مدة الحمل ( ثم يقسم ماله ) على المذهب ، نص عليه واختاره الأكثر ; لأن الصحابة اتفقوا على اعتداد امرأته ، وحلها للأزواج ، وإذا ثبت ذلك في النكاح مع الاحتياط للأبضاع ، ففي المال أولى ; لأن الظاهر هلاكه ، أشبه ما لو مضت مدة لا يعيش مثلها ، وعنه : مع أربعة أشهر وعشرا ; لأنه الوقت الذي يباح لامرأة التزوج فيه ، ذكره القاضي ، وعنه : هو كالقسم قبله ، وفي " الواضح " ، وعنه : زمنا لا يجوز مثله ، وقيل : تسعين ، والأول أصح ، وظاهره : لا فرق في ذلك بين الحر والعبد ، يؤيده ما نقل الميموني في عبد مفقود ، الظاهر أنه كالحر ، ونقل مهنا ، وأبو طالب : هو على النصف .

                                                                                                                          فرع : يزكى المال قبل قسمه بين الورثة لما مضى ، نص عليه .

                                                                                                                          [ ص: 217 ] ( وعنه التوقف ) في أمره ، وقال : قد هبت الجواب فيها ، وكأني أحب السلامة ، ولأن حياته وموته متعارضان ، فوجب التوقف ، والمذهب الأول ، ولم يفرق سائر أهل العلم بين صور الفقدان .

                                                                                                                          ( فإن مات موروثه في مدة التربص ، دفع إلى كل وارث اليقين ) هذا مذهب أحمد ، وأكثر العلماء ; لأنه مستحق له على كل تقدير ( ووقف الباقي ) حتى يتبين أمره ، أو تمضي مدة الانتظار ; لأنه لا يعلم مستحقه ، أشبه بالذي ينقص نصيبه بالحمل ، فتعمل المسألة بأنه حي ، ثم بأنه ميت ، ثم اضرب أحدهما أو وفقها في الأخرى ، واجتزئ بإحداهما إن كان ثلثا ، أو بأكثرهما إن تناسبتا ، ويأخذ اليقين الوارث منهما ، ومن كان ساقطا في إحداهما لم يأخذ شيئا .

                                                                                                                          زوج ، وأم ، وأخت ، وجد ، وأخ مفقود ، مسألة الموت من سبعة وعشرين ، الأكدرية ، ومسألة الحياة من ثمانية عشر ، وهما يتفقان بالأتساع ، فتبلغ بالضرب أربعة وخمسين : للزوج النصف من مسألة الحياة ، والثلث من مسألة الموت ، فيعطى الثلث ، وللأم التسعان من مسألة الموت ، والسدس من مسألة الحياة ، فتعطى السدس ، وللجد ستة عشر سهما من مسألة الموت ، وتسعة من مسألة الحياة ، فيعطى التسعة ، وللأخت ثمانية من مسألة الموت ، وثلاثة من مسألة الحياة ، تبقى خمسة عشر موقوفة ، أخذت الأم ثلاثة ، والأخت خمسة والجد سبعة على رواية رد الموقوف إلى ورثة الأول ، وعلى رواية قسمة نصيبه مما وقف على ورثته وهي ستة ; لأنه ورث مثلا الأخت ، يبقى تسعة ، والمعروف أنهما وجهان ، وقيل : وهو الأصح عند المجد ، وظاهر قول الوني : أن تعمل [ ص: 218 ] المسألة على تقدير حياته فقط ، وتقف نصيبه إن ورث ، وفي أخذ ضمين ممن معه زيادة وجهان .

                                                                                                                          ( فإن قدم ، أخذ نصيبه ) لأنه ، وقف من أجله ، وهو المستحق له ، فوجب أن يأخذه كما لو كان غير مفقود ( وإن لم يأت ، فحكمه حكم ماله ) لأنه محكوم له به ، أشبه سائر ماله ؛ والحاصل : أنه متى بان المفقود حيا يوم موت موروثه ، فله حقه ، والباقي لمستحقه ، وإن بان ميتا ، فالموقوف لورثة الميت ، وفي " المغني " وغيره : وكذا إن جهل وقت موته ، وإن انقضت مدة تربص ، ولم يتبين شيء ، قسم ما وقف للمفقود على ورثته يومئذ ، كسائر ماله ; لأنه محكوم بحياته ، جزم به في الكافي والوجيز ، وصححه في المحرر ، وقيل : يرد إلى ورثة الأول ، جزم به صاحب المجرد ، والتهذيب ، والفصول ، والمستوعب ، والمغني ; لأنه مشكوك في حياته حين مات موروثه ، فلا يثبت بالشك ، كالجنين ، فعلى هذا : لا يجوز في مدة التربص أن يقضى منه دينه ، ولا ينفق على زوجته أو بهيمته ، وعلى الأول يجوز كسائر ماله ( ولباقي الورثة أن يصطلحوا على ما زاد عن نصيبه فيقسموه ) اختاره ابن اللبان ، وهو الصحيح ; لأنه حقهم لا يخرج عنهم ، وأنكر ذلك الوني ، وقال : لا فائدة أن ينقص بعض الورثة عما يستحقه في مسألة الحياة ، وهي متيقنة ، ثم يقال له : لك أن تصالح على بعضه ، بل إن جاز ذلك ، فالأولى : أن تقسم المسألة على تقدير الحياة ، وتقف نصيب المفقود لا غير ، وإن لم يرتضه المؤلف ; لأن إباحة الصلح عليه لا تمنع وجوب [ ص: 219 ] وقفه ، ووجوب وقفه لا يمنع الصلح عليه كذلك ، ولأن تجويز أخذ الإنسان حق غيره برضاه وصلحه ، لا يلزم منه جواز أخذه بغير إذنه ، وحينئذ لهم أن يصطلحوا على كل الموقوف إن حجب أحدا ولم يرث ، أو كان أخا لأب عصب أخته مع زوج وأخت لأبوين .

                                                                                                                          تنبيه : إذا قسم ماله ، ثم قدم ، أخذ ما وجده بعينه ، والتالف ليس بمضمون ، نص عليه في رواية ابن منصور ، وقدمها في الرعاية ، واختاره جمع ; لأنه إنما قسم بحق لهم ، وعنه : مضمون ، صححها ابن عقيل وغيره ، وجزم به المؤلف ، وإن حصل لأسير من وقف ، تسلمه وحفظه وكيله ، ومن ينتقل إليه بعد جميعا ، واختار في " الفروع " : يكفي وكيله ، وهو ظاهر ، ومن أشكل نسبه فكمفقود ، ومفقودان فأكثر كخناثى في تنزيل .




                                                                                                                          الخدمات العلمية