الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
مثل المؤمن والكافر والمنافق

مثل المؤمن والكافر والمنافق مثل ثلاثة نفر أتوا نهرا عظيما في مفازة فوقع واحد منهم في النهر فسبح سبحا وخرج ووقع الثاني فكلما كاد أن يصل إلى شط النهر ناداه الثالث الذي لم يدخل بعد في النهر أن يا فلان هلم إلي فإن الطريق مخوف فتهلك ارجع إلي إلي فإني أعلم بطريق آخر يعبر بالسلامة على القنطرة والذي خرج يناديه أن إلي إلي فإن الطريق آمن وعندي من النعيم ما لا يوصف فما زال يذهب إلى هذا وإلى ذاك حتى يغرق في الماء ويهلك

قال قتادة رحمه الله فالأول الذي عبر مؤمن مخلص والذي لم يعبر بعد كافر والذي دخل منافق يدعوه المسلم من ورائه والكافر يدعوه من خلفه وهو متردد متذبذب حتى يأتيه الموت فيموت منافقا فيبقى في قعر جهنم في أسفل السافلين

ومصداق هذا قول الله سبحانه وتعالى إن المنافقين [ ص: 349 ] في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا

ومثلهم أيضا مثل أهل بلدة بقوا في جدوبة وقحط وشدة ويبوسة وعسر وضيق وفقر فجاء رجل بهي سخي كريم جواد رءوف رحيم وقال لهم أنا لكم ناصح أمين وإنكم بقيتم في هذه البقعة في هذه الشدة والمحنة فإني أدلكم على أرض فيها خصب وسعة وخضرة وماء ونعيم فارتحلوا إليها تنجوا من هذه المحنة فقوم قبلوا نصيحته وارتحلوا إلى تلك البقعة فوجدوا ما أخبروا وزيادة وقوم لم يصدقوه ولم يلتفتوا إلى كلامه وبقوا في أرضهم في القحط والشدة وجازوا ذلك فنزلوا فيها واطمأنوا بها فرحين بها معجبين بها وأرسلوا إلى هؤلاء القوم الذين بقوا في ديارهم وأخبروهم بذلك إنا وجدنا ما وعدنا الرجل وزيادة تعالوا معنا تنجون من هذه الشدة فلم يقبلوا ولم يخرجوا فلما لبثت تلك الطائفة في تلك الأرض زمانا وشهورا وسنينا متنعمين جاء الرجل ثانيا وقال إن في موضع آخر أرضا أحسن من هذه ونعيمها ومياهها وأشجارها وثمارها أضعاف من هذا فارتحلوا إلى هنالك

[ ص: 350 ] فصدق بعض منهم وارتحلوا فوجدوا هنالك أكثر وأطيب مما وعدهم الرجل فمكثوا ثمة وأخذوا في التنعم وبقوا في الرفاهية وبعثوا إلى أولئك القوم الذين كانوا معهم في الأرض الأولى في النعيم أن وجدنا ما وعدنا الرجل الأول وزيادة هلموا إلينا نعيش ونتنعم فأبوا وقالوا لا نعطي الموجود بالمفقود ولا نبدل فإذا سحابة جاءت من السماء فضربت الأشجار فيبست بساتينهم ومياههم وما عندهم حتى هلكوا جميعا

فالناس كلهم في ظلمة الكفر وشدة الشرك والقحط والضيق في مفاوز الكفر حيارى في عسر وضيق فجاءهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وبين لهم الهدى ونصحهم وبين لهم طريق الحق والصراط المستقيم فآمن به بعضهم ونجوا من ظلمة الكفر والبؤس والفاقة وأخرجوا أنفسهم من ظلمة الكفر وتبين لهم طريق الرشد من الغي

وقوم لم يقبلوا نصيحة وهم .الكفار فبقوا في مفازة الكفر في أرض القحط والجدوبة والضيق والضنك

[ ص: 351 ] ثم إن المؤمنين الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون بدلوا ما عندهم إلى دار القرار ونعيم الآخرة بما عندهم من نعيم الدنيا وارتحلوا إلى دار الآخرة والمنافقون قالوا لا نعطي الموجود بالمفقود فخابوا وخسروا ذهب الموجود من أيديهم ولم يصلوا إلى الآخرة فبقوا في نفاقهم وشكهم

وأما المؤمنون فخرجوا إلى الأرض الثالثة وهم الصادقون كما قال الله تعالى في وصفهم أولئك هم الصادقون بقبولهم دار الآخرة خالصا لأن إيمانهم كان خالصا مخلصا قال الله تعالى ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين

التالي السابق


الخدمات العلمية